العدد 1189 - الأربعاء 07 ديسمبر 2005م الموافق 06 ذي القعدة 1426هـ

صحيفة «الواشنطن بوست» تفضح التواطؤ الألماني الأميركي

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كون وزير الداخلية الألماني السابق أوتو شيلي يرى نفسه صديقاً حميماً للولايات المتحدة لم يكن سراً، إذ لم يوفر فرصة إلاّ وعبر فيها عن مساندته للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب. كما كان يحلو له أن ينادي المسئولين الأميركيين بأسمائهم الأولى كما هي العادة الأميركية. كما أن صداقته الحميمة مع السفير الأميركي السابق في برلين دان كوتس لم يكن سراً، فغالباً ما شوهدا معاً في حفلات الاستقبال يتبادلان النكات، فيما شيلي كان يسعى دائماً إلى تعلم المزيد من اللغة الإنجليزية. مع ذلك، قامت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بنشر تقرير مفصل عن سر دفين بين الرجلين، فحين زار السفير الاميركي، شيلي في مكتبه بوزارة الداخلية في برلين في مايو/أيار 2004 بحثا مرة جديدة موضوع الإرهاب الدولي والنشاطات التي تقوم بها الـ «سي آي ايه» ضد الإرهاب الدولي. يومها عوضاً عن أن يقدم السفير معلومات عن دور بلاده في هذا الموضوع وجد نفسه مجبراً على إبلاغ الوزير الألماني تفاصيل خطأ وقعت فيه «سي آي ايه» في نهاية العام ،2003 حين ألقت القبض خطأ على مواطن ألماني من أصل لبناني وقامت بخطفه. ما حصل عليه الوزير الألماني من معلومات من الدبلوماسي الأميركي، محفوظ وموثق على رغم مضي عام ونصف العام على عملية خطف واحتجاز حرية خالد المصري. ووفقاً للتحقيقات التي قام بها مدعي عام ألماني تم توثيق تفاصيل كثيرة بشأن معاناة الشاب المذكور. وأكدت «واشنطن بوست» عملية الاختطاف التي تمت نهاية 2003 على حدود مقدونيا، ثم نقله في يناير/ كانون الثاني 2004 على متن طائرة تابعة لـ «السي آي ايه» إلى أفغانستان. وكان سبب الاعتقال وجود اسم مشابه على قائمة الـ «سي آي ايه». ولم تجد تأكيدات خالد المصري بأنه ليس إرهابياً أية آذان صاغية، فمكث بضعة أشهر في أحد سجون أفغانستان، وتعرض للتعذيب قبل الإفراج عنه نهاية مايو 2004 وأعيد إلى أوروبا. المعلومات الجديدة التي تشير إلى أن حكومة ألمانيا علمت في مايو 2004 ما حصل للمواطن الألماني خالد المصري، تعرضها لمساءلات غير مريحة. فقبل كل شيء يتعين على الحكومة الألمانية السابقة أن تجيب على أبرز سؤال يطرح نفسه بشأن مدى معرفتها بالنشاطات المريبة التي كانت تقوم بها الاستخبارات الأميركية، كما تعرض حكومة شرودر نفسها لتهمة المشاركة في خرق القوانين الألمانية والأوروبية والميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان. يذكر أن الحكومة الألمانية السابقة لم تعلق رسمياً على قضية المصري، وفي كل مرة كانت تشير إلى أن التحقيق جار في القضية، وتعطي شعوراً بأنه لا علم لها بخلفيات قضية الاختطاف. وحتى حين حاول محامي المصري لفت انتباهها لما تعرض له موكله وطلب منها المساعدة للكشف عن المختطفين لمحاكمتهم، لم يحصل على إجابة منها. في سياق التحقيقات القانونية التي يقوم بها المدعي العام بمدينة ميونيخ من شأن المعلومات التي نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» أن تساعده في الحصول على دليل بأن الحكومة السابقة كانت على علم بقضية المصري. وحتى اليوم لم يحصل المدعي العام على أي تعاون من سلطات الأمن الألمانية، غير أن التقرير الجديد للصحيفة الأميركية يقدم أجوبة على أسئلة مطروحة منذ وقت. فقد ذكرت الصحيفة أن هناك سبباً بسيطاً لالتزام السلطات الألمانية الصمت حيال خطف أحد مواطنيها هو الزيارة التي قام بها السفير الأميركي لمكتب وزير الداخلية السابق شيلي، سعياً لحماية المصالح الأميركية. وأكد شهود لـ «واشنطن بوست» أن السفير طلب من شيلي تحديداً عدم الكشف علناً عن التفاصيل التي أبلغه إياها حتى لو أشاع المصري تفاصيل قصة خطفه على العلن، وأن تتصرف الحكومة الألمانية وكأنها لا تعرف شيئاً عن القضية. ويأتي نشر المعلومات الجديدة من قبل صحيفة أميركية في وقت محرج لوزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس التي كانت في طريقها للاجتماع في برلين يوم (الثلثاء) الماضي مع المستشارة الجديدة أنجيلا ميركل ووزير خارجيتها فرانك شتاينماير. كما أن نشر التقرير الجديد يحرج الحكومة الألمانية الجديدة، فمن جهة تتمنى ميركل تجاوز مرحلة الخلافات بين برلين وواشنطن، وأن تحصل على فرصة للتعبير عن رغبتها في التقرب من الولايات المتحدة ودفن الخلاف عن حرب العراق إلى الأبد. لكن الكشف عن المعلومات الأخيرة عن قضية المصري ونشاطات طائرات الـ «سي آي إيه» المريبة في المطارات الألمانية (بلغ عدد عمليات الهبوط والإقلاع في ألمانيا في الفترة من 2002 ­ 2004 نحو 437 عملية) واستخدام (سي آي إيه) الأجواء الألمانية لنقل معتقلين عرب إلى سجون سرية لاستجوابهم تحت التعذيب أيضاً. بالنسبة إلى المستشارة ميركل والوزير شتاينماير فإن زيارة رايس ليست زيارة سهلة على الإطلاق، إذ في حال ثبوت صحة التقرير الذي نشر في الولايات المتحدة ونقلته عنها وسائل الإعلام الألمانية يكون بمثابة دليل على أن الحكومة الألمانية السابقة تخفي معلومات كثيرة بشأن اختطاف مواطنين عرب من قبل «سي آي إيه»، كما كانت على علم بأنه كان يجري نقلهم عبر مطارات في ألمانيا وأوروبا إلى سجون تديرها الاستخبارات الأميركية في عدد من دول العالم عوضاً عن غوانتنامو. وامتنع شيلي وكوتس عن التعليق على مضمون التقرير. وكانت القناة الأولى للتلفزيون الألماني (اي آر دي) أوردت الأسبوع الماضي أن جهة رسمية واحدة على الأقل في ألمانيا كانت على علم بنقليات «سي آي إيه» السرية، وآخر ما توفر لهذه الجهة الإعلامية من معلومات أن مطار فرانكفورت كان المحطة المركزية لطائرات المخابرات المركزية، وأن مكتبا تمثيلياً كان موجوداً بصورة دائمة في مدينة فرانكفورت كان ينسق هذه النشاطات ويوفر الخدمات اللوجستية لعملاء الجهاز الأميركي. ونقلت القناة عن الصحافي البريطاني ستيفن جراي أنه قام بجمع معلومات مهمة تشير إلى الدور المركزي لمطار فرانكفورت... الذي كان المعتقلون العرب يصلونه عدة أيام قبل نقلهم إلى سجون سرية. وأشارت المعلومات إلى أن طائرة تابعة لـ «سي آي إيه» حطت في جزيرة مايوركا الاسبانية في يناير ،2004 ثم واصلت سيرها إلى مقدونيا، إذ أقلّت خالد المصري في طريقها إلى أفغانستان. وأوضحت «واشنطن بوست» أن هناك 3 آلاف حالة اختطاف قامت بها الاستخبارات الأميركية بالتعاون مع أجهزة أمن دول كثيرة، إذ تبيّن لاحقاً أن غالبية الذين تعرضوا للخطف والإهانة والتعذيب أبرياء لم تثبت ضدهم تهم المخابرات المركزية.

العدد 1189 - الأربعاء 07 ديسمبر 2005م الموافق 06 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً