العدد 1189 - الأربعاء 07 ديسمبر 2005م الموافق 06 ذي القعدة 1426هـ

النسر الجريح والمزن الغاضب

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

ويرتل الصخر أغنية الحزن على رغم قساوة البحر وموج العاصفة، أغنية تتهاوى كشعر امرأة غجرية تبحث عن دفء وسكون. وفي ليلة العتمة يصرخ الطير المهاجر الجريح اما «آن للقدر ان يستجيب ولليل ان ينجلي وللقيد ان ينكسر؟» هذا إذا ما وجد شعب يريد الحياة. يرتل أنشودة مظفر النواب غريباً تتقاذف به المنافي: وآه من العمر بين الفنادق ولا يستريح أرحني قليلاً فإني بدهري جريح. صورة مظفر تعكس عتاب أم جاءت إلى ابنها تشكوه ألم الفراق والرأس قد اشتعل شيباً: يا بني ضلعك من رجيته لضلعي جبرته وبنيته يا بني خذني لعرض صدرك وأحسب الشيب الى من عمرك جنيته يا بني طش العمى بعيني وجيتك بعين القلب ادبي على الدرب المشيته. وهكذا هي المدينة تأكل الموتى وتغسل يدها من الاحياء وماذا اذا كان الاحياء عظماء؟ دم الذبيحة في الاقداح تقدم باسم الخوف على الوطن ويالقسوة الوطن ان يعيش العظيم طيلة العمر غريباً. نعم غريباً لكنه ليصنع الرعد وليخلق للريح صدراً وخاصرة. هم العظماء وحدهم يقدمون حياتهم للحياة موتا كي ينتصر بياض الياسمين على لعنة السكين ولو كانت اللعنة تواري حبيباً وغدر صديق ونسيان أهل وهروب دار ومواراة وطن، أين الضمير وكيف يسند عملاق هامته على جدران اقزام لا يعرفون لون الكبرياء ولا رائحة الحزن مطعماً بنكهة الاكبار؟ من لعمر تشظى ورداً جميلاً ساحراً رذاذ قهر، ورماد ألم، أوراقاً يبست لخريف عمر كان ربيعاً قصيراً؟ ورغم الترحال مازالت الذاكرة متصلة بأرض الوطن، ووقف الكبير رغم أدعياء الصحافة الصفراء والبلهاء ثمانين عاماً ونيفا على مسرح الحزن يرتل أغنية المسيح صارخاً في وجه الدموع: احمل صليبك بفرح واهزأ بهم فمن أجل ان تعيش الوردة لابد من موت الرصاصة. فليتناثر لحمك بين اسنان الصحافة بأنك لست وطنياً. وماذا هي الوطنية ؟ يقول بومارشه: «الوطنية خدمات وليست كلمات لا معنى لها». أتلك وطنية أن تهاجر الطيور بأدمغتها الذهبية لأنها قبطية أو مسلمة؟ وأين هو مبدأ تكافؤ الفرص؟وقد قيل قديما :«المتحيز لا يميز» وأمين الريحاني كان يردد: «الطائفية هي نوع من الخيانة الوطنية». أيحتاج جرس الكنيسة كي يدق إلى قرار. ورحم الله نزار قباني وهو يرتل ساعة وشى عليه الواشون بعد كتابة قصيدة: «هوامش على دفتر النكسة»: آه يا مصر كم تعانين منهم والكبير الكبير دوماً يعاني. وتلك هي الوثنية السياسية في عالمنا العربي في اضطهاد الأقليات. باسم الإسلام يقتل التسامح ويروج للعنف «والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين»(التوبة: 107). نعم ان طعم الفجيعة كبير هذا اذا ما أصبح الكبير غريباً بين القوم الجهلاء فيصبح مثل جرح يمشي على قدميه نحو الغربة والابتعاد والترحال عن مجتمع الجهل والتخلف والمخصيين فكراً وعقلاً وعاطفة وضميراً. لماذا الإكراه والله يقول: «ولوشاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» (يونس: 99). وفأسك مازالت مستعدة ولن تركن للتعب. وما أجمل الفأس ان تكون غصن زيتون، وأنت في الغربة ازرع جميلاً للوحدة الوطنية ازرع للوطن البعيد خلف الحدود وان أكلت جسدك المنافي. ازرع جميلاً ولو في غير موضعه فلن يضيع جميل أينما زرع. وان رشقوك بعدم الوطنية فالتاريخ والتراب والأرض والدار يلحون على الصعيد والاسكندرية ان يفصحا بالحقيقة، والإشاعة في عالم الجهلاء والعرب أقوى من الحقيقة. ويا لعمالة التسعين من العمر خيوط ربيع استحالت أوراق خريف يأكلها القدر. فهل بعد القرب من عتبات التسعين من عمالة الا للوطن. كن كشجر الصندل تعطر الفأس التي تقطعها. وعلمتنا النخلة الترفع على صغار النفوس: كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً بالطوب يرمى فيلقي أطيب الثمر. كنسر يحاول نقر النجوم ولن يقبل الانكشاريون والمتنطعون لون الاعتدال وجمال الإنسانية. وأقبح بالعدل ان يكون ظلماً وما أجمل افلاطون وهو يرتل: اسوأ أنواع الظلم هو الادعاء بأن هناك عدلا. آه لتحديد إقامة النيل الكبير 41 شهراً في الدير، ويا للقداسة يباركها الاغتراب والمحاصرة لتطعن الأرض اوتاد تسابيح وتناطح السماء والمزن دعاء وشموخاً وتبتلا. آه لهجرة مليون ونصف طائر إلى المهجر، شباب يضيع فيه الربيع والعمر بحثاً عن وطن إذ يتحول المنفى إلى وطن والوطن إلى منفى، أرأيت طائراً يفكر في الهروب؟ وعلى عتبات التسعينات يصرخ النسر: وقنعت يكون نصيبي في الدنيا كنصيب الطير ولكن... سبحانك حتى الطير لها اوطان وتعود اليها وانا مازلت أطير... ابادير، حتى الطير لها أوطان وتعود إليها ودعهم يقولون فماهم أمام عظمة البطل الغريب الا مدرة على النيل خجلى من عظمة الأهرام كما يعبر شاعرنا المسيحي بولس سلامة. العدالة هي التساوي في الحقوق ويجب الانتصار إلى كل مهمش في العالم الإسلامي، أكان شيعياً أم سنياً أم مسيحياً. عدلي ابادير، رمز من رموز النضال للدفاع عن الأقليات في العالم العربي. طالما رشق بالحجارة وزرعت في طرقه المشانق واتهم بالتهمة المثلجة في ثلاجات الانكشاريين بعدم الوطنية. لكنه مازال صامداً وسيدخلها إن شاء الله آمناً لأجل عيون الجميع والكبير الكبير دوماً يعاني. قلها للدمع يستحيل حدائق ورد ورياحين وللوطن أغنية في قيثارة الأحرار ما رتله الشاعر التركي: ان أجمل يوم يوم لم نعشه بعد. وتبقى أنت والجمال أجمل يوم ينتظره الأحفاد ذاكرة حبلى بالمطر الغزير.

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1189 - الأربعاء 07 ديسمبر 2005م الموافق 06 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً