العدد 1188 - الثلثاء 06 ديسمبر 2005م الموافق 05 ذي القعدة 1426هـ

كذب وجهل... وضحك

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في تقرير صادر عن مركز «جافي» للدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية نشرته صحيفة «هآرتس» في الأسبوع الجاري كشف عن أن تفوق «إسرائيل» على جيرانها العرب والمسلمين ازداد في السنوات الأخيرة لمصلحتها، وباتت الدولة العبرية الآن في وضع مريح وأفضل مما كانت عليه قبل غزو العراق. ويعزو تقرير «جافي» هذا التحول إلى الأسباب الآتية: إن ما يسمى بالخطر النووي الإيراني مازال بعيداً جداً. سورية أصبحت في وضع ضعيف جداً وهي شبه معزولة. العراق يعاني من فوضى دمرت دولته وقدراته العسكرية ولم يعد وضعه كما كان في السابق وبالتالي فإن خطره اضمحل. ياسر عرفات غاب عن المشهد الفلسطيني والقيادة البديلة تحتاج إلى فترة زمنية لتستعيد زمام المبادرة. علاقات «إسرائيل» مع الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي تحسنت بعد الانسحاب من قطاع غزة. وأن أخطر ما وصفته بـ «الإرهاب» لا يهدد أمن «إسرائيل»، كما يهدد أمن الدول العربية. فالدولة العبرية هي الأقل تضرراً من مجموع جيرانها. هذه هي الأسباب الأساسية التي عددها مركز «جافي» للقول إن «إسرائيل» في وضع مريح وهي الطرف الأقوى في معادلة الصراع مع جيرانها العرب والمسلمين. ومجموع تلك الأسباب المذكورة هي بالضبط ما أسفرت عنه الحرب على العراق وتقويض الدولة في العام .2003 الأسباب التي تحدث عنها تقرير «جافي» هي النتائج التي تأسست عليها استراتيجية إدارة جورج بوش وعلى أساسها اتخذت قرار الغزو. فالحرب أصلاً قامت من أجل تحقيق هذه الأهداف وهي الأسباب التي ذكرها «جافي» في تحليل عناصر قوة «إسرائيل» وضعف العرب. مضافاً إليها مجموعة دوافع أخرى تتصل بالنفط وصناعات الأسلحة (تصريف الفائض) والانفاق على الدفاع (مؤسسات التصنيع الحربي) والسيطرة على معابر استراتيجية في إطار لعبة صراع الأمم وقيادة العالم في مواجهة نمو الخطر الآسيوي (الصيني). الحرب قامت لأسباب عدة منها ما هو «إسرائيلي» عدّدها مركز «جافي» في تقريره. ومنها ما هو أميركي يتصل بالصناعات الحربية والطاقة والسيطرة على حقول النفط وخطوط الأنابيب والامدادات. ومنها ما هو دولي يتصل بتثبيت موقع أميركا وتعزيزه في إطار توازنات يرجح أن تتعدل في المستقبل. أمن «إسرائيل» والمحافظة على تفوقها العسكري على الدول العربية مجتمعة هو أحد أهداف الحرب الرئيسية التي اخترعتها إدارة بوش لتبرير الغزو وتغطيته بشعارات دفاعية كاذبة تتعلق «بأسلحة الدمار الشامل» أو «مكافحة الإرهاب»، ولكن أمن «إسرائيل» ليس هو المحرك الوحيد لعجلات تلك الحرب العدوانية وانما هناك مجموعة دوافع تتصل بالاستراتيجية الأميركية وموقع الولايات المتحدة من التوازنات الدولية الجديدة التي أفرزتها فترة ما بعد الانتهاء من «الحرب الباردة». أميركا لم تغزُ العراق من أجل نشر الديمقراطية كما يردد البعض، كذلك لم تأت من أجل إصلاح المنطقة كما يكرر البعض الآخر. العراق كان «كبش فداء» والدول العربية هي الضحية و«إسرائيل» هي المستفيد الأول من كسر دولة الرافدين وتحطيم قوتها العسكرية ونشر الفوضى في المنطقة وفتح الأبواب والنوافذ أمام «الإرهاب» ليضرب في أي مكان وزمان. فكل هذه العوامل تتصل في النهاية بتلك الأسباب التي أتى على ذكرها تقرير «جافي». مركز «جافي» لم يكذب وانما قام بعملية توصيف لواقع عربي مهزوز وقلق ومتوتر مقابل دولة مرتاحة إلى وضعها الأمني والاستراتيجي. والادهى من ذلك أن السياق المتوقع للسنوات المقبلة لايزال يسير نحو الأسوأ معتمداً على ضعف الدول العربية وجهل النخب التي تقرأ التاريخ من زوايا مذهبية وطائفية ولا تنظر إلى السياسة من موقع استراتيجي يربط التاريخ بالجغرافيا والاقتصاد بالقوة. مركز «جافي» لم يكذب في تقريره عن ضعف العرب وقوة «إسرائيل» وانما الولايات المتحدة تكذب على الدول العربية وتضحك على النخب حين تتحدث عن «الديمقراطية» و«الإصلاح» و«احترام حقوق الإنسان». والكذب عادة بحاجة إلى طرف آخر ليصدقه والا انتفت الحاجة إليه. وحين تجد أميركا في النخب العربية مجالها الحيوي للكذب فلماذا تتردد في الضحك على أمة «ضحكت من جهلها الأمم»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1188 - الثلثاء 06 ديسمبر 2005م الموافق 05 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً