العدد 1188 - الثلثاء 06 ديسمبر 2005م الموافق 05 ذي القعدة 1426هـ

تنشيط المجتمع المدني (4)

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في المقالات السابقة تمت الإشارة إلى عدد من الأسباب التي تقف حجر عثرة أمام حدوث تغيير ملموس، وبشكل أكثر وضوحاً، نتيجة لنظرية «تنشيط المجتمع المدني» التي انطلقت بزخم كبير في بلادنا العربية منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي، معتمدة على نجاح تجربة التحول الديمقراطي في عدد من دول أوروبا الشرقية. أحد الناشطين طرح سؤالاً في إحدى الندوات عن سبب التحاق دول أوروبا الشرقية (التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي) بالنهج الديمقراطي، بينما تخلفت دول آسيا الوسطى (التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي) عن ذلك الركب... والسؤال حمل في طياته تفسيراً معادياً للإسلام، على أساس أن معظم شعوب آسيا الوسطى من المسلمين، بينما شعوب أوروبا الشرقية من المسيحيين، وكأنما هناك إيحاء بأن العداء للديمقراطية يمثل حالاً أصيلة لدى المجتمعات المسلمة. الواقع يختلف عن هذا التفسير كثيراً، فدول أوروبا الشرقية تختلف من ناحية التكوين الاقتصادي، بينما «آسيا الوسطى» لديها ثروة النفط والغاز. وهي بذلك ابتلت بـ «نقمة» هذه الثروة، لأن الدول الكبرى (وخصوصاً أميركا) تبحث عن مواقع نفوذ في البلدان الغنية بالنفط والغاز، وستغلب المصالح الاستراتيجية على المبادئ والقيم المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. ومثال على ذلك «كازاخستان»، التي يحكمها منذ انفصالها عن الاتحاد السوفياتي أحد الشيوعيين القدامى (نور سلطان نزار باييف). فعلى مدى أربعة عشر عاماً، أصبح رئيساً لكازاخستان ومن حينها أصبح صديقاً لأميركا، زارته وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من دون أن تؤثر تلك السياسة على نهجه الدكتاتوري. رئيس كازاخستان أصبح وعائلته من الأثرياء العظماء، بحسب ما تؤكد مصادر الصحافة والمعارضة، وانتقاده يؤدي إما إلى السجن أو النفي أو الموت لأسباب غامضة. أما الانتخابات فهي تعطي نتائج مماثلة لانتخابات بلدان الشرق الأوسط عندما يطرح أحد الرؤساء نفسه للاستفتاء أو التصويت. كان أحد الاقتراحات الأولية المقدمة للإدارة الأميركية في مطلع التسعينات هو ضم دول آسيا الوسطى إلى منطقة «الشرق الأوسط الكبير»، ولكن لم يؤخذ بذلك الاقتراح، واعتبرت «آسيا الوسطى» منطقة أخرى لمنافسة الشرق الأوسط في كونها مصدراً مستقلاً للنفط والغاز. كما أن هذه المنطقة تتنافس عليها أميركا وروسيا والصين. ولذلك، فإن أميركا لن تضحي بمصالحها من أجل نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، لأن حكام تلك الدول سيجدون البديل الذي يلجأون إليه في حال تخلت عنهم أميركا. إذاً، إن أحد أسباب عدم نجاح مشروعات «تنشيط المجتمع المدني» في بلداننا لا يعود إلى حال عداء بين أفكار المسلمين والأفكار التي تتحدث عن التعددية والحقوق، بقدر ما تكون هذه المشروعات متداخلة مع قضايا استراتيجية تتعلق بمصالح الدول الكبرى التي تحتاج إلى مصادر الطاقة. هناك مدرسة في الغرب تحاول طرح موضوع نشر الديمقراطية بشكل مختلف، وهذه المدرسة تشير إلى أن دعم أميركا لدكتاتوريات الشرق الأوسط أنتج تنظيمات مثل «القاعدة» تستطيع الوصول إلى قلب أميركا وتؤذيها، وأن الحل الاستراتيجي يكمن في تغليب مبادئ الديمقراطية في السياسة الخارجية، لأنه من دونها لا يمكن ضمان المصالح الأميركية على المدى البعيد. هذه المدرسة مازالت في بداياتها وواحدة من نتائجها الإعلان عن مبادرة «منتدى المستقبل»، وفي ذلك تفصيل آخر.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1188 - الثلثاء 06 ديسمبر 2005م الموافق 05 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً