لقد أطلعت على مقالة أستاذ كلية الآداب عدنان زرزور في «الوسط» عدد 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، وتطرق مشكوراً الى موضوعات نقاشية اختلف كبار الفقهاء فيها ولازالوا مختلفين بين مؤيد ومفند، وأرجو من الكاتب أن يتسع صدره لنقدي لبعض ما خطته يده، وأنا في هذه الحال لن أدخل في نصوص قانون الأحوال الشخصية الجعفرية ولكنني سأتطرق إلى موضع الفتاوى الإسلامية من التطبيق. عندما تطرق كاتبنا العزيز إلى مسألة السن في الزواج، ليته أتى بمصادر فقهية تؤيد رأيه، أو أي من القرآن الكريم أو الحديث الشريف لكي يثبت وجهة نظره في تحديد سن الزواج سواء للذكر أو الأنثى أو حتى للفارق بينهما حين العقد، وعلى حد علمي لم أجد في فتاوى الفقهاء من المذاهب الإسلامية ما ذهب إلى ذلك، بل العكس هو الصحيح، إذ إن فعل الرسول التشريعي بالدخول بعائشة أم المؤمنين وهي ابنة تسع مع الفارق الكبير بينهما (فقد كان عمره الشريف يناهز الرابعة والخمسين) سنرى أن الإسلام لا يرى أن فارق السن سبب في عدم جواز العقد. ولو تمعنّا في قرائتنا في قصص الأنبياء لرأينا فارق السن بين نبي الله إبراهيم وزوجته الثانية عندما كان يناهز الـ 100 عام. وقد يستغرب القارئ والكاتب أن قانون الزواج في بريطانيا لم يتم تعديله إلاّ حديثاً في رفع سن زواج البنت من سن 13 إلى 18 عاماً، إذ إن القانون القديم كان قد وضع في فترة كان فيها عرف المجتمع البريطاني يسمح، ومع تغيّر العرف لا يمنع ذلك من تغيير القانون، من هنا لا يمنع الفقهاء المعاصرون من كلا الطرفين الاجتهاد من أجل وضع سن للزواج حسب كل بلد وعاداته وأعرافه، إذ لا يخفى على الكاتب أن عرف الأرياف بالنسبة إلى الزواج كما في صعيد مصر يختلف إختلافاً عن المدن كما القاهرة في عرفها.
مصادر الاجتهاد النصّية
أخال الكاتب العزيز لم يخالط الشيعة ويعرفهم إلاّ في بطون الكتب، لذلك فليسمح لي بأن أوضح بعضاً مما لم يذكر في تلك الكتب من مصادر الشيعة في الإجتهاد في المسائل الشرعية، فبعد كتاب الله تأتي كتب الحديث المعتمدة لديهم والمروية عن طريق أهل البيت (ع) في نقل أحاديث الرسول (ص) أو في إفتائهم بالأحكام الشرعية. لذلك فإن الاستدلال بما أتى من رواة حديث آخر عن الحلية أو الحرمة في أية مسألة لا يؤخذ به لدى أهل المذهب الآخر الذي قد لا يعتمد هذه المصادر كمصادر رئيسية في الأخذ منها. وفي الكثير من الأحيان يختلف أبناء المذهب الواحد حتى مع وجود الحديث في الكتب، فعلى سبيل المثال لا الحصر الامام مالك خالف الائمة الثلاثة في الرضاع، وأوجد الأخوة من نقطة واحدة فضلاً عن رضعة، في حين أن هناك أحاديث تروى عن أم المؤمنين عائشة وغيرها من الصحابة في توضيح الأخوة من الرضاعة. وهنا نذهب إلى سؤال آخر: هل يجوز لنا في أن نجتهد كما الإمام مالك في عدم الأخذ بأحاديث معينة، مثلاً الحديث الذي رواه الامام البخاري عن عمر (رض): «لا يسأل الرجل فيما يضرب امرأته»، إذ إنه لا يتوافق مع حقوق النساء وكرامتهن فضلاً عن توافقه مع قانون الأحوال الشخصية. ومع أن مسألة وطء المرأة في الدبر من المكروهات المشددة في المذهب الشيعي، لكن لا يمنع ذلك من التوجه مع الكاتب للبحث عن العلة التشريعية، وليته بحث عن كتاب الشيخ أحمد الوائلي «من فقه الجنس في قنواته المذهبية»، ليرى منطق الرجل واستدلالاته قبل أن يفند آراءه. فمن الناحية اللغوية، يأتي ابن منظور في موسوعته اللغوية «لسان العرب» في مادة (حرث) بهذا البيت من الشعر: إذا أكل الجراد حرث قومي فحرثي همّه أكل الجراد ويستدل ابن منظور بهذا البيت ليؤكد أن «حرث» اسم من أسماء المرأة أو الزوجة، لذلك فلنر الآية الكريمة التي ذهب استاذنا في شرحها بعيداً من دون النظر في معانيها اللغوية، رغم كونه استاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها. يقول تعالى: «نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم»، ولو وضعنا كلمة نساؤكم في موضع حرثكم لانتفى المنع الذي ذهب إليه الاستاذ زرزور، ولأصبحت الآية واضحة للعالمين باللغة وآدابها، كما كان أهل البادية من فهمهم لكلمة حرث، ولا يقف المستدلون هنا ولكنهم يذهبون إلى قول نبي الله لوط (ع): «هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين»، إذ كان يعلم نبي الله لوط بخبث نوايا قومه ممن هجموا عليه بالدار، فالظاهر انه شرع لهم وطء المرأة دبراً، إذ أنه لا فائدة من دعوتهم للممارسة الطبيعية مع رغبتهم بالشذوذ، وتبقى المسألة عموماً من المكروهات المشددة أو حتى المحرمة لدى عموم فقهاء الشيعة. بقيت هناك مسألة واحدة غريبة، القول بجهل العرب بأوضاع النكاح، كما الأنصار، ولكن الضليع باللغة العربية وآدابها يضحكه هذا القول، ولن أطيل كلامي في هذا الباب ولكني سأحيل القارئ إلى كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ليجد من الأشعار وضعيات شتى ليس من الأدب ذكرها في هذا المكان، منها ما قاله مسيلمة الكذاب لسجاح، شاكراً أستاذنا عدنان زرزور على مقالة الرائع.
العدد 1187 - الإثنين 05 ديسمبر 2005م الموافق 04 ذي القعدة 1426هـ