العدد 1187 - الإثنين 05 ديسمبر 2005م الموافق 04 ذي القعدة 1426هـ

قضية المرأة... وشرب الشاي مع الملكة

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

كنت على قناعة ليس اليوم، ولكن على الأقل منذ ثلاثة عقود، على أن التقدم الاجتماعي لن تقلع أشرعته في الخليج حتى يصل إلى نضج، إلا إذا اقلع في المملكة العربية السعودية، ليس لشيء غير منطقي، بل لأن قدرة التأثير من البناء الاقتصادي/ الاجتماعي/ السياسي الأكبر على الأصغر، أكثر من تأثير البناء الأصغر على الأكبر. تلك قاعدة علمية لا تؤثر فيها النوايا أو الرغبات. تستطيع الأطراف أن تتحرك، ولكن القلب إن ظل ساكناً فإن حركة الأطراف أما أن تكون بطيئة أو غير ذات معنى أو تتوقف بعد حين. وبعد إجراء انتخابات غرفة تجارة وصناعة جدة في المملكة العربية السعودية، وفوز سيدتين في تلك الانتخابات، فإن أمور الحراك الاجتماعي تبدو أكثر جدية مما كانت في عموم منطقة الخليج وليس فقط في منطقة جدة غرب المملكة. لماذا المرأة؟ هنا تتشعب الأسئلة وأيضاً تتشعب الإجابات. فليس خافياً أن «مشاركة المرأة» في شئون وشجون الحياة العامة في منطقتنا، كانت ومازالت «قضية» يشار إليها في كل تقرير دولي أو محلي، وتؤكد تلك التقارير أن هناك «نقصاً ما ينتاب مجتمعات الخليج العربي للولوج إلى العصر». ذلك النقص هو حرمان المرأة من المشاركة في الشأن العام. في التقرير المطوّل الأخير المعنون بـ «دعماً للديمقراطية العربية، لماذا وكيف؟»، والذي أصدرته لجنة مستقلة بتكليف من مجلس الشئون الخارجية في نيويورك، برئاسة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين اولبرايت، تحدث التقرير من جديد ومطولاً عن قضية «المرأة» لدى العرب. وأشار إلى نقص مشاركتها كأحد مراكز الضعف في تطور العرب نحو الديمقراطية المبتغاة من بين خمس نواقص أساسية، من بينها حقوق الإنسان وسيادة القانون. وهناك سلسلة من التقارير أشارت إلى حقوق المرأة العربية، على رأسها طبعاً تقارير «التنمية» التي أصدرتها منظمات الأمم المتحدة تباعاً منذ أربع سنوات، وكان موضوع المرأة حجر الزاوية فيها، وهي تقارير تداولت على نطاق واسع عالميا. ولاشك عندي في أن كثيرين من أبناء جلدتنا في الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج نظروا إلى موضوع المرأة العربية، كما تحدثت التقارير الدولية، على انه أولوية وفرض عين للتنمية التي تقود للديمقراطية. هؤلاء، ولا أنزه نفسي، أصبحت لديهم قناعة، كقناعة المواطن البريطاني، وهي أن غاية المرام في الحياة «أن يشرب الشاي مع الملكة». وشرب الشاي مع الملكة وهو هدف أسمى بحد ذاته لهؤلاء، لن يغير في الكون كثيراً، وكذلك مشاركة المرأة العربية في شئون الحياة ظاهرياً، هو أمرٌ شكليٌ تماماً كشرب الشاي... إن لم يكن متأصلاً اجتماعياً. لا أحد يتسرع ليتهم الآخرين بالنكوص، فمازالت القناعة بتقدم المرأة قناعة ثابتة، ولكنها ­ بعد تجربة ­ قناعة تحتاج إلى تغيير من زاوية النظر وطريقة المعالجة، كما تحتاج أمورنا إلى تغيير في شئون كثيرة، منها التعليم والتربية والثقافة العامة، قبل الابتهاج بالشكل، لأن الشكل، مهما كان مغرياً، لن يؤدي الغرض الرئيسي بل يبقى شكلاً خارجياً، تزيّن به المجالس، ولا يقود إلى تفعيل حقيقي ومستديم لدور المرأة كشريك في الحياة. موضوع المرأة في الخليج وكثير من الدول العربية هو موضوع اجتماعي بامتياز، ولديّ أدلة كثيرة على ذلك. ففي قطر والبحرين على سبيل المثال لا الحصر، واللتين جرت فيهما تباعاً انتخابات بلدية ونيابية على التوالي، ورشحت نساء في تلك الانتخابات. ولم تستطع أي من هؤلاء النسوة المرشحات أن يحصلن على مقاعد لهن في المجالس المنتخبة، بسبب الموقف الاجتماعي لا النص القانوني. وإذا وسعنا الرؤية بزاوية أكبر، فإن هناك تياراً اجتماعياً واسعاً في الفضاء العربي، يرى أن المرأة غير قابلة للانتخاب في مناطق كثيرة من البلاد العربية. والظواهر تقول إن عدد النساء في المجالس العربية المنتخبة أقل من القليل، وبعضهن جاء إلى سدة التمثيل الشعبي لأسباب عائلية، كما في لبنان وغيرها. بل في هذا البلد (لبنان) تمشي النساء في الشوارع مثل ما تمشي الأوروبيات في الغالب، ومع ذلك يُورث السياسيون مقاعدهم الانتخابية إلى الأبناء، يستطيع المعارض لدخول المرأة العربية في النشاط العام أن يستشهد بعشرات من الكتب التي تؤيد رأيه وحجته، وكذلك الموافق والداعي لنشاط أكبر للمرأة العربية في الحياة العامة، يستطيع بدوره أن يستشهد بعشرات من الكتب والحجج وقصص التراث، فمازال الموضوع ساخناً يستدعي النقاش. إلاّ أن المسألة برمتها ليست «تراثية» ولا هي «دينية» أيضاً بهذا المعنى المراد. المسألة المطروحة هي ثقافة وعادات وتقاليد مترسخة وطويلة في الزمن والممارسة. لذلك يتقبل أفكار العزل حتى قطاع واسع من النساء أنفسهن. وفي سؤال موجه لطالبات الجامعة في الكويت: هل ترغبين في التسجيل للانتخابات وممارسة حقك في الانتخاب والترشيح في الانتخابات القادمة في الكويت؟ وذلك بعد صدور قانون تمكين المرأة الكويتية من المشاركة السياسية، ردّت نسبة كبيرة منهن أنهن لن يقدمن على ممارسة ذلك الحق. وتتفاوت الأسباب، ولكن جلها أسباب اجتماعية ثقافية. تلك حقيقة اجتماعية تؤكدها الممارسة الحياتية. ففي اليمن هناك أربع سيدات في البرلمان اليمني، اثنتان لا تحضران، واثنتان لا تتكلمان في البرلمان، لذلك من الخطأ الفاضح الذي يصل إلى حد الجهل بما هو معلوم أن يتحدث البعض في موضوع مشاركة المرأة العربية، عن قربها من «الإسلام» أو بعدها عنه، لأن الثنائية ثابتة في النصوص الإسلامية وفي الممارسة الحياتية، فرؤية الإسلام للعالم قائمة على تعاقب المتنوعات، بل يحدثنا ابن منظور، الذي هو يحيل شواهده على القرآن بأن النص القرآني «خلقناكم من نفس واحدة، وخلقنا منها زوجها»، هي نظرة تفاعلية وتباين من أجل التكامل، وتبادل حيوي وحياتي. الاستنتاج العقلي يفرض نفسه من الشواهد الكثيرة، أن هناك حاجزاً ثقافياً يحتاج إلى معالجة كي تتمكن المرأة في الخليج من القيام بأدوارها المرتجاة في التنمية في المستقبل. لن يحدث ذلك بسبب إكمال الشكل، بل يمكن أن يحدث عندما نتوجه جميعاً لمعالجة الآثار السلبية للثقافة الكامنة تجاه المرأة، بالاعتراف بأن القضية برمتها موضوع ثقافي تعليمي وحياتي، وليست موضوعاً تراثياً نصياً منقطعاً عن البيئة الاجتماعية، كما يرغب البعض أن يؤكده. إذا كان ثمة اتفاق على ذلك تتحول الرغبة لشرب الشاي من مظهر إلى مخبر، وتصبح مشاركة المرأة في الحياة العامة، أكثر نفعاً للمجتمع والأجيال القادمة، وتتمكن المرأة في مجتمعنا من حياة طبيعية، وهي سنة الله في خلقه

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1187 - الإثنين 05 ديسمبر 2005م الموافق 04 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً