العدد 1187 - الإثنين 05 ديسمبر 2005م الموافق 04 ذي القعدة 1426هـ

الشجاعة في حلّ مشكلاتنا بدل رميها في وجوه الآخرين،

«غير مقبولة منك ياشيخ عادل»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يكن من الغريب أن يتورّط بعض حكامنا العرب في مشروعات فتنة، وتعميم مصطلحات يختلقها الصهاينة للإيقاع بين طوائف المسلمين في هذه المرحلة الحرجة التي يداهمنا فيها الإعصار الأميركي الأهوج. ففي الوقت الذي يعبث الاحتلال الاميركي بالمنطقة تمزيقاً وتفريقاً، لصالح «المشروع الصهيوني الكبير»، رأينا كيف انبرى بعض الحكّام للتهويل ممّا يسمى بالهلال الشيعي المزعوم. ولم يكن من الغريب على كتّاب مسكونين بعُقَدِ وأحقاد التاريخ أن يروّجوا لمقولات ومصطلحات جاهلية ، لم ترد في كتاب ولا سنّة ، فتفعل فعلها الخبيث في تفتيت الأمة وزيادتها تمزيقاً وتباغضاً وتنافراً. وليس من الغريب أن تتبناهم صحفٌ تفتقر إلى المسئولية الوطنية، إذ تقتات على المعزوفات الطائفية والخلافات المذهبية الضيّقة لتزيد مبيعاتها، فهذه هي قوانين السوق و«أخلاق» تجار البازار. ولكن أن يأتي مثل هذا الخطاب من شيخ نُكبِرُهُ مثل الشيخ عادل المعاودة، ممثل السلف الصالح في البلد، فهذا ما يوجب بعض اللوم والعتاب الأخوي الرقيق. فالشيخ الجليل يمثّل للكثيرين منا ذلك الصوت المعتدل، في ظرف يسوده الاحتقان والتوتر والتطرّف، وأصبحت المغالاة تعلو فوق صوت العقل والحكمة والاعتدال. ولا ننسى، ولا ينسى الشيخ نفسه كيف عومل، أو عوقب، لمجرد انفتاحه على التيارات الأخرى التي تمثّل أطيافاً متنوعة من أبناء هذا البلد المسلم، بينما تسود وتترسّخ ثقافة الإقصاء والتهميش... وتوزيع الشتائم من على المنابر والدعاء بنزول الأيام السود على رؤوس المسلمين، ولمعرفتنا بما يتميّز به الشيخ من انفتاح وتعقلّ واعتدال، فإن الكلام «المنسوب إليه» أمس (الاثنين) في الصحافة جاء صادماً بمعنى الكلمة. فالأمر إذا صحّ، يوحي باستيراد مصطلحات من بلدان أخرى وتطبيقها بصورة «كيدية» على واقعنا المحلي. وهي موجةٌ إذا استمرت في الاندياح، من المسجد إلى المأتم، ومن الجامع إلى الشارع، فلن يبقى لنا مكانٌ نمارس فيه عباداتنا آمنين مطمئنين، بعد أن تتحوّل المنابر إلى فوهات براكين. قبل أكثر من عام، كان يجري تسويق مصطلح «الهلال الشيعي» المزعوم، ورأينا كيف أحرقت النار أصابع من أراد إشعالها. وعلى الأرض اليوم يجري تسويق مصطلح «الصفوية»، على أيدي جهات يعرفها الشيخ المعاودة ونعرفها جيداً، من بقايا البعثيين والقوميين والمتعصبين هنا وهناك، ونربأ بالشيخ أن «يعيد استخدامها»، فهو أجلّ وأكبر عندنا من أن تنطلي عليه مثل هذه الأباطيل. نقول ذلك ونضيف، إن ما جرى من حوادث مؤسفة في الأيام الأخيرة لم تكن موضع إجماع شعبي، ولا من الشارع المعني بموضوع البطالة كما يعرف الجميع، فضلاً عن تحفّظ القيادات والرموز الدينية. كلّ ما في الأمر ان مواطناً تعرّض لاعتداء وحشيّ على أيدي «مجهولين» في بلد الأمان، على خلفية أكبر وأكثر تعقيداً، من وجود مشكلات اجتماعية واقتصادية لم تعالج بصورة جوهرية، ولم تجهد الجهات الرسمية نفسها في البحث عن حلول جذرية لها، ولذلك ظلّت تغلي وتنتظر الفرصة للتنفيس عن البخار. وهي مشكلاتٌ يعترف بوجودها الجميع، بمن فيهم الشيخ المعاودة. من هنا فإن تحميل الأمور أكبر مما تحتمل ليس من حسن السياسة ولا من الحكمة في شيء. ومن الخطأ رمي قضايانا الداخلية المعقّدة على الآخرين، وإرجاع مشكلاتنا «المحلية جداً جداً» إلى مؤامرات «دولية» أو «إقليمية»، على طريقة العرب العاجزين، الذين علّقوا كل مشكلاتهم لخمسين عاماً على مؤامرات «إسرائيل»، وذهبوا إلى مخادعهم ليغطوا في سبات طويل... فلا القدسُ عادت ولا هم استيقظوا من السبات العميق، إننا نجلّ الشيخ من استخدام المصطلحات «المفبركة» وتصديق «التحليلات» الكاذبة التي يروّجها أشخاصٌ مرضى وجهاتٌ موتورة، فالعدل والانصاف يقتضيان أن نقضي بالحق مع من نحب ومن نكره، وهو دأب الشيخ كما نحدس. والعدل والانصاف هو مطلب كل الشعوب المتحضّرة، وهو القاسم المشترك الذي يتحلّق حوله أهل البحرين دائماً، والذي سيظل هدفاً سامياً يسعون إليه، لأنه ملح الحياة. هذه هي الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن أبصارنا، وهو ما نراهن عليه للخروج من المشكلات والتغلب على الأزمات التي تواجهنا، بعيداً عن تهم التخوين والإقصاء وتبرير عجزنا وفشلنا بتصدير مشاكلنا لما وراء الحدود، وقذفها في وجوه الآخرين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1187 - الإثنين 05 ديسمبر 2005م الموافق 04 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً