العدد 1187 - الإثنين 05 ديسمبر 2005م الموافق 04 ذي القعدة 1426هـ

الخط العربي

المنامة-هدير البقالي 

تحديث: 12 مايو 2017

ليس من السهل إدراك روحانية فن «الخط العربي»، كذلك يصعب الولوج إلى جاذبية عوالمه التي باتت تستنهض الذات العربية الفاعلة، لتجسيم جماليات الحضارات العربية على مدى العصور التاريخية المتوالية، إذ لم ترق عين الفنانين التشكيليين ومتذوقي الفن الجميل من الانغماس الجذري بالتفاعل الحسي والبصري لمكوناتها وأوابدها الخالدة بالتربص لكل حركة. «الخط العربي» لم يعد خطاً، إنما إيحاء، يتبعه الأثر الفني بعنصر تعبيري، يشيع فيه خصائص تعبيره الشعوري قوة ونوعاً عبر صياغات مجردة بالتماثل والتمازج ما بين «الخط والتشكيل»، إذ يؤول الخط من خلال شخصيته التشكيلية صيغة حداثية في التأمل الوجداني العابر بإحساس فني معجز للعقل ومعاييره العنيفة في النفس البشرية، والتي بدورها تبتعث استمتاعاً جمالياً بنشوة معارجها الروحية. وقد تحب الفن «الخط العربي»، فتعشق بساطته بتبادل محسوس ينغمس بوحي سطوره، وتماسك روعة أجزائه بملاطفة جياشة تفصح عن شتى المعاني ذات الصلة بعفوية وعقلانية، مليئة هذه المعاني بغرائز المشاعر المتلاحمة، بما فيها من متعة جمالية تحرض «الخط العربي» على مداعبة مادة الفن، كي تتخذ تجسيداً مثالياً غامض التحليل لشعور يومض بالداخل تارة، ويشع بالخارج تارة أخرى. بوتقة «الخط العربي»، تتم بامتلاك ناصية الكتابة وتكوين ملكتها، وتتماثل بزخم الحدث التشكيلي الفعلي بإمكانات تشكيلية لا نهائية، تتربص الفن من حروف مطاوعة للعقل وليدة الإيقاع الحاذق للخطاط، بما يتميز به من التقوس والقطع والانكسار والجمع والتقاطع الممتد الحركي ببناءات تجريدية متوالدة الأشكال، زاحفة بتناغم فياض متراقص يملأ سطح التكوين الخطي برابطة حميمية من الفكر المنصهر، والذي يجمع العقل والروح بتعايش مطلق لأنفاس شجية تؤبد الوسط الفني بحروف تنبض وهج الرؤيا. ومن العبث التكلم عن جمالية هندسة «الخط العربي»، فلسفة الخط العربي هي إنتاج حروف تتشكل بهيكل أساسي مكمل لزوايا سطح الفن من انعكاس وجداني نادر في تظهيره وفريد من نوعه، ولا تتوافر هذه الهندسة في أي من الحروف الأجنبية، وذلك بإنتاج أسرار خارقة للعقل وتصرفات غريبة مستبحرة لمكامن أعمق من التي تقبع بها الدرر، إلا أنها أصدق حينما تتهادى فخراً بتراكيبها المنسجمة الأداء باستنساخ أساسي للمحات الفنية، يتموج هنا الخط العربي شكلياً وفكرياً من دون حد.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً