اعلم أن الخبز عندما يلوّن سماء الوطن تتحول الدموع إلى أزهار ويستحيل الحزن إلى حدائق. اعلم أن الجوع كافر وأن البطون الجائعة ليس لها آذان ولا مزايدة في ذلك، ولكن أسائل نفسي والزمن: هل تخلّينا ذات يوم عن حزن بائس، أو كسرنا خبزاً في عين فقير، أو حوّلنا البطون المنتفخة من الجوع إلى طبول تعزف لقتل الأمل؟ ذلك تساؤل سيعرفه الزمن ذات يوم. هذه ليال تمر، تتحوّل الأصابع الجميلة إلى رصاص تطلق عشوائية لقتل وبحسن نية كل الرفاق الذين طالما تقرحت أرجلهم من المشي في محطات الحزن والغربة لأجل الناس. ما ولدنا والدنيا تلقي علينا زهوراً. زرعنا من الجرح ذاته فما أنصفنا الصديق. وكم إنسان أخذ يلقينا على أرصفة الشتيمة. جروح لوّنت التاريخ وكلنا شربنا من الكأس ذاته، كأس الغربة والسجن والحرمان. التاريخ بين أيديكم اقرأوه وتمعنوا في الأسماء والمواقف إن كان هناك ثمة إنصاف. لكن يبقى السؤال: ما الحل؟ الحل أن نصنع المستقبل بوعي وبعقل. البعض يقول: هؤلاء نسوا الفقراء والجوعى، ونقول: العبرة بالعمل وليس بالشعار. غداً يسألك الله كم عائلة محرومة أحييت؟ كم أسرة نقلتها من العراء والموت إلى الحياة؟ أقول وبصدق: الهجوم القاسي الذي يوجه إلى الشيخ عيسى قاسم والشيخ علي سلمان لخطبتهما الأخيرتين ليس في مصلحة الدين والوطن. الشيخان الجليلان عندما دعيا إلى السلم والتعقل ذلك لمصلحة الدين والوطن، ولم ينس أحد دموع فقير. لماذا كل هذا الإلغاء؟ الإمام علي (ع) يقول: «رأي الشيخ أحب إليّ من جلد الغلام». خيراً فعل أهالي السنابس والدراز في احتواء الأزمة. العلماء والأهالى مع الفقراء، ولكن بالأسلوب العقلائي والشرعي. وشيخ علي سلمان طالما تعرض للضغط والفهم الخاطئ من أحبتنا من بعض الجمهور، وخير دليل ما حدث في مسجد الخواجة قبل أشهر. الشيخ علي يريد مصلحتكم، يريد أمنكم، يريد أن يوفر الخبز لكم. لا تصدقوا الإشاعات والكلام العاطفي. ادفعوا الوفاق نحو خير أبنائنا ومستقبل الأجيال والوطن. شبعنا منافي وسجوناً ومعتقلات وحرماناً. ليس صحيحاً الوفاق لا تفكر في الفقراء والناس. لا تضغطوا عليها فتجروها إلى المحارق. سؤال تذكروه ولابد منه: وماذا بعد؟ دعونا نحتفل بالعيد الوطني وخطوة خطوة يتعزز التقارب والحوار، ونبدأ في الحديث عن الخبز وغيره. بقول كاريل: «جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، ولكن الأجمل أن يحيا من أجل هذا الوطن». فلنفكر كيف نبني مبرات للايتام والأرامل؟ كيف نبني مراكز لتأهيل المعوقين؟ كيف نترافع عن الفقراء بوعي ونؤهل بيوتهم؟ الحاج حسن العالي لم يخطب في حياته خطاباً واحداً عن الفقراء، لكنه تحرك صامتاً وبنى عشرات البيوت وهي تلهج يومياً تدعو له. إذاً، كيف نفكر في التعليم والتجارة لخدمة المجتمع والوطن؟ كان بإمكان العالي أن يسرف في بناء المساجد، لكنه راح يفكر في بناء العقول فأرسل أبناء الفقراء من المواطنين إلى الجامعات. الحياة هي الواقعية، والواقعية هي الحياة. الشيخ صبحي الطفيلي خرج على الناس ذات يوم بثورة الجياع، لكنه ضرب الجميع عرض الحائط وسماهم بالخونة والصامتين والانبطاحيين ولم يسلم من النقد حتى السيدحسن نصرالله، فكلهم «خونة، عملاء»... وياللقدر نصرالله يتهم بالخيانة وهو مقدم ابنه فلذة كبده للموت في سبيل القضية، قيل للشيخ: يا شيخ كلنا نتألم للفقراء ونريد ونعمل من أجل الفقراء ولا نختلف معك في أحقية مطلب الحصول على الخبز، ولكن نختلف في شعاراتك وفي سقفك، إلى أين أنت ذاهب؟ لماذا لا تأخذ رأي البقية؟علماً بأن التداعيات ستكون على الجميع. هل من الديمقراطية أن تضرب آراء الجميع ومن جلسوا معك للتناصح وتتفرد برأيك؟ والسؤال: أين هو الآن الشيخ صبحي؟ بالنسبة إلى العيد الوطني، فقد سرني حدث مهم وهو المهرجان الوطني الكبير الذي ستقوم به قرية بوري بمناسبة العيد الوطني، فالبارحة كنت مع الإخوان وتحدثنا في الموضوع وأهميته. فالإخوة منذ فترة وهم يعملون للتهيئة، وسيكون هناك مهرجان رياضي وترفيهي وألعاب ومسابقات مدتها ليلتان للاحتفال بالعيد الوطني، والبرامج للرجال والشباب والشيوخ والأطفال، وقد أعد علم ضخم (علم البحرين) وسيكون الشعار «معاً في حب الوطن». نأمل من وزارة الإعلام دعمهم مادياً ومعنوياً، كما نأمل من الدولة مساعدتهم في بناء مركز ضخم لمثل هذه الاحتفالات الوطنية وتشجيعهم على ذلك. وشكر يقدم للمرسم الحسيني للجدارية الضخمة التي سيدشنها في العيد الوطني. بالأمس أرسلت إليّ الطفلة الموهوبة هدى إلياس قصيدة شعر في حب الوطن منها: يا وطني يا جنة الفلوات أيا جمال البحر كالصدفات ما أغلى الشجر بالثمرات بلادي بلادي من الصدقات ... وللحديث تتمة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1186 - الأحد 04 ديسمبر 2005م الموافق 03 ذي القعدة 1426هـ