مازالت أزمة تسمية أحد المرشحين لتسلم حقيبة وزارة النفط في حكومة أحمدي نجاد تُشكل مُعضلة حقيقية أمام اكتمال حكومة التعميريين بعد فشلهم في إقناع حلفائهم في البرلمان بشخصيات راديكالية كسعيدلو ومحصولي وتسلطي. وقد أعلن في طهران الأسبوع الماضي أن أحمدي نجاد سيقدم مرشحه الرابع للبرلمان لتولي حقيبة النفط، ويبدو أن الشخصية المتداولة هي القائم بالأعمال الحالي بالوزارة كاظم وزيري هامانه، وقد تحدثت الأنباء بأن الرئيس مُصرّ على اختيار أحد المؤدلجين ممن يتماهون معه في التوجه السياسي وذلك بغرض تطبيق برنامجه في مجال الطاقة بصرامة، أهمها تغيير أكثر من 400 إداري من الوزارة بمستويات شتى. وقد بدأت بعض الأوساط المحافظة تُنادي بضرورة أن يفصل مجمع تشخيص مصلحة النظام في الأمر إذا لم ينجح المرشح الرابع في نيل ثقة المجلس، أو يُطلب من المرشد أن يُصدر قراراً حكومياً ينهي السجال الدائر، كما أن تلك الأوساط أخذت تُنادي بضرورة إعادة بيجان زنكنة إلى منصبه الذي تولاّه طيلة السنوات الثماني الماضية، وخصوصاً أنه شخصية فوق الميول الحزبية والفئوية، بالإضافة إلى نجاحه في تطبيق سياسة حكومته في مجال النفط وقيامه بصوغ سلسلة تحالفات أقامها مع فنزويلا والمكسيك والمملكة العربية السعودية إبان أزمة انخفاض أسعار النفط، إلاّ أن أحمدي نجاد يُصر على تسمية إحدى الشخصيات المتشددة جداً والتي من خلالها يستطيع أن يُطبق برنامجه الإداري فيما يتعلق بملف الطاقة وتحديداً النفط منها. الحكومة التاسعة لا تعدو كونها حكومة الباسدران والبسيجيين، وهي بالتالي حكومة حرب، فعلى رغم أن عشرة من أعضائها حاصلون على درجة الدكتوراه، واثنان منهم مسجلان للحصول على هذه الدرجة وتسعة وزراء حاصلون على درجة الماجستير، إلاّ أن غالبيتهم محسوبون على الحرس الثوري، بل إن نصفهم ممن عملوا مع الرئيس عندما كان رئيساً لبلدية طهران أو محافظاً لأردبيل. كما أن الاحتفاء الذي يلقاه أحمدي نجاد عند حضوره استعراضات الجيش أو الحرس يُبيّن لك مدى التوافق الآيدلوجي بين التعميريين والعسكر. والأكثر من ذلك فإن أدبيات الباسدران تكاد تكون متطابقة مع الشعارات التي ترفعها الحكومة التاسعة كالإعداد لتهيئة أساس حكومة عالمية عادلة عن طريق الإحياء المجدّد للحضارة الإسلامية، وفي ذلك مجال واسع للتفكير والتأني، أو استهلال التصريحات بالرغبة في الاستشهاد واستحضار عناوين الفداء للإمام المهدي المنتظر (ع). لقد تمرّد الرئيس أحمدي نجاد على كل الأعراف السياسية التي كانت سائدة، ولم يعد يعترف بتسويات وتحالفات حزبية (لا الاستراتيجية منها ولا الآنية) يُقيمها لتوليف حكومته، فهو عنيد لدرجة أنه يُقاتل من أجل وزير واحد، ويقاتل من؟، مع حلفائه المحافظين الذين يُسيطرون على المجلس النيابي الآن، لأنه يعتقد كما يقول في تصريحاته المختلفة بأنه لا يُدين لأي فصيل سياسي بنجاحه، وليس لأحد فضل عليه سوى الشعب الإيراني الذي أعطاه أكثر من سبعة عشر مليون صوت، إلاّ أنه يُؤكد في الوقت نفسه على تسليمه لمرشد الجمهورية الإسلامية الإمام الخامنئي بالمطلق، واصفاً إياه بالزعيم الفذ وقائداً لحركة أمة إيران العظمية. كما لم يعد يلتفت إلى الأحاديث التي باتت تنعت فريقه الاقتصادي والسياسي بقلة الخبرة والتاريخ غير المعروف، فبرويز داووي وسعيدلو ودانش جعفري وبرويز فتاح وطهماسبي واسكندري وأردكاني وغيرهم هم وجوه غير مألوفة، بل وطارئة على الوسط السياسي باستثناء البعض منهم كما يقول غرماؤهم من الإصلاحيين. أضف إلى ذلك فإن أحمدي نجاد لم يكتفِ بجعل الطين في إذنه اليُمنى والعجين في الأخرى أمام تلك الاتهامات بل مضى أكثر من ذلك عندما أعلن أنه غير مقتنع بالبرامج الاقتصادية والسياسية للحكومات السابقة، وأنه سيقوم بـ «ثورة» إدارية واقتصادية لتغيير الكثير من الخطط القصيرة والمتوسطة الأمد، وأن فريقه لن يعتني بمسائل البنية التحتية التي لم يعد أمرها مُجدياً في هذا الظرف مع وجود طبقات اجتماعية تعاني من مشكلات معيشية مُرهقة. وبالتالي فهو يرى أن بسط بعض من موارد الدولة للإنفاق المباشر هو أفضل وأجدى، وخصوصاً أن التبشير بهذه البرامج الثورية هي التي أوصلته إلى كرسي الرئاسة. فالمناطق العشوائية المتاخمة للمدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية هي كتل بشرية ذات أحوال معيشية متواضعة، ويقوم قاطنوها بأعمال خدمية مؤقتة ولا يحصلون على دخل مرتفع مقارنة بسكان المدن الكبرى، بالإضافة إلى المناطق المعدومة التي بدأت تتطلع إلى الركن الوثيق الذي يستطيع انتشالها مما هي فيه. كما أن بعض المحافظات التي حصل فيها أحمدي نجاد على غالبية الأصوات معظمها من مدن كبرى وبها معدل نمو سكاني مرتفع ووجود مكثف للمؤسسات الحكومية وبالتالي يُرجعنا ذلك إلى أنه وبسبب اهتمام حكومة خاتمي بالملف السياسي والحريات وتأجيل الملف الاقتصادي فإن الأحوال الاقتصادية في نهاية عهد خاتمي انحصرت في الدخل المُحصّل من النفط والأعمال والمشروعات التي يطرحها النظام الإداري البيروقراطي، والرئيس أحمدي نجاد يُدرك بأن تلك الظروف ساهمت بشكل كبير في سخط الإيرانيين على الوضع القائم، ومن ثم نجاحه وتفوقه الكاسح على مرشحه هاشمي رفسنجاني. لقد بيّنت وثيقة الحكومة التاسعة أن التعميريين سيقومون بنقل الشركات والمؤسسات الحكومية غير الضرورية من طهران وأفرعها المركزية إلى الأقاليم والمدن، وإصلاح بنية التخطيط وتخصيص مصادر الدولة لتحقيق الوثيقة التنموية العشرينية. وإذا نجحوا في ذلك فإن أسهمهم الانتخابية سترتفع حتماً، وستكون فرصة فوزهم مستقبلاً أوفر حظاً من غيرهم.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1186 - الأحد 04 ديسمبر 2005م الموافق 03 ذي القعدة 1426هـ