ترتبط تركيا بشكل وثيق مع تاريخها الإسلامي ومع العلمانية، التي تُفهَم من منظور عدم الخلط بين الدين والسياسة. بعد عقود من الكفاح بين هاتين الهويتين، قامت هذه الدولة الحليفة في حزب الناتو والتي تحاول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بتطوير هوية هجينة تغطي الناحيتين. نتيجة لذلك، أصبح يُنظَر إلى تركيا وبشكل متزايد على أنها وجه ليبرالي تقدّمي للإسلام على المسرح الدولي، تُثبِت التزامها بتمكين المرأة، بالانسجام مع الروح الحقيقية للدين.
وحتى يتسنى التأثير بشكل إيجابي على الحياة اليومية للمرأة، سوف يتطلب الأمر قيادة مشاركة من العلماء الدينيين وأتباع الحركة النسوية، إضافة إلى إصلاحات تبادر بها الحكومة.
وتتواجد رئاسة الشئون الدينية، وهي المنظمة الحكومية المشرفة على الشئون الدينية منذ إنشائها العام 1924، وأعلى سلطة إسلامية في تركيا، في وسط الحوار حول الدين والمرأة. كان دور الرئاسة، التي توظف حاليا نحو 83000 رجل دين في المساجد المحلية، يقتصر أصلا على إدارة المساجد، إلا أنه يركّز الآن أكثر على تطوير تفسيرات جديدة عن الإسلام.
وقد بادرت الرئاسة مؤخرا بإجراء مراجعة للأحاديث النبوية الشريفة، الأمر الذي تقبّله المجتمع التركي جيدا وانتقل صداه إلى ما وراء حدود الدولة الوطنية.
يهدف المشروع، حسب تفسيرات رئاسة الشئون الدينية، إلى نشر الوعي حول عدم دقة الأحاديث المشكوك في صحتها والتي تجمّعت بعد وفاة النبي محمد (ص)، من خلال إعادة التأكيد على أهمية المصادر ذات المصداقية الأخلاقية والصالحة للتطبيق. على سبيل المثال، جرى نسب العديد من التقاليد الثقافية التي كانت تعتبر غير عادلة للمرأة وبصورة خاطئة إلى النبي (ص) وأضيفت إلى مجموعات الأحاديث النبوية الشريفة رغم وجود فجوات في سلسلة روايتها ونقلها.
ويتوقع أن ينتج عن المشروع مجموعة من الأحاديث الشريفة حول المرأة يجري وضعها في خمسة مجلدات سوف تنشر، تهدف إلى دعم نشطاء حقوق المرأة في صراعهم ضد «جرائم الشرف» والعنف ضد المرأة وكراهية النساء بشكل عام.
إضافة إلى ذلك ومنذ العام 2005 قدّمت رئاسة الشئون الدينية كذلك لموظفاتها من النساء الفرصة لرفع سوية مهاراتهن التعليمية والمهنية حتى يصبحن مؤهلات بصورة أفضل لمراكز أعلى.
وقد عانت الرئاسة، حسب قول رئيسها علي برداكوغلو من انعدام مساهمات المرأة لعقود عديدة. وقد كان هدف المؤسسة خلال السنوات الماضية تشجيع المرأة للوصول إلى أعلى مستويات المؤسسة، وهو أمر يأمل برداكوغلو أن يحققه من خلال دمج المرأة بالتدريج في هيكل رئاسة الشئون الدينية. وسوف يتم ترفيع النساء إلى مواقع مثل مساعِدات لرجال الدين ومراكز دينية مثل شيخ ومفتي. ولا ينكر برداكوغلو أن الرجال كانوا حتى الآن أكثر تأثيرا داخل المؤسسات الإسلامية، ولكنه يصرّح أن غياب المرأة عن هذه المواقع كان نتيجة لانعدام التعليم العالي لديهن، وهو واقع يمكن تغييره.
رغم توجه برداكوغلو الصديق للمرأة وخطاباته، تبدو بعض أجزاء المؤسسة مترددة في إجراء التغيير. بعد فترة وجيزة من إعلان رئاسة الشئون الدينية العام 2005 عن نيتها توظيف مائتي امرأة في مجال الوعظ الديني، وتعيين مفتيات ونائبات مفتيات، قام عضو في الرئاسة بكتابة مقال حول كيف يتوجب على المرأة التصرف حول الرجال حتى لا يثرن رغباتهم الجنسية.
يعود الفضل ليقظة أتباع الحركة النسوية لإزالة المقال من موقع رئاسة الشئون الدينية، وقيام المؤسسة بنشر اعتذار. يعتبر النقد الأنثوي القوي، من قبل هؤلاء خارج المؤسسة وداخلها، أساسيا في محاسبة الرئاسة في تحقيق أهدافها بتمكين المرأة. تواصل النسويات دفع الرئاسة باتجاه تطبيق ومأسسة المبادرات التي تعمل على اشتمال المرأة بصورة أوسع.
تمكنت رئاسة الشئون الدينية خلال السنوات الأولية الماضية وبنجاح من تطبيق كوتات تم استهدافها لوجود المرأة في مراكز ذات مستويات أعلى. وقد تم تعيين سبع نساء حتى الآن في مركز مساعد مفتي وتأسيس مكاتب في 21 مدينة عبر الدولة للتعامل مع مصادر قلق النساء المحليات.
لقد أثّر الدفع باتجاه تمكين أوسع للمرأة في تركيا ليس فقط على تمثيل المرأة في رئاسة الشئون الدينية وإنما على المجتمع الأوسع كذلك. وقد كتب الزعيم الديني المعروف فتح الله غولن مقالا في صحيفة «زمان» التركية في سبتمبر/ أيلول العام 2008 حول موضوع العنف الأسري، مشيرا إلى أنه يتوجب على المرأة أن تكون شجاعة بشكل كافٍ لاتخاذ إجراء قانوني ضد زوجها إذا قام بضربها. وقد أشار غولن إلى تفسير جديد للنصوص الدينية لها منظور صوفي لدعم نصيحته هذه.
وقد شرح غولن بأنه في حالة العنف الأسري، يجب أن يُنظَر إلى الرجل بأنه «ظالم» ومستبدّ، وأن يُحكَم عليه لممارسته سلطة غير عادلة. يمكن لتفسيرات كهذه أن تعطي النساء الدعم القانوني لرفع دعاوى جزائية ضد أزواجهن، أو الحصول على جزاء مادي نتيجة لسوء معاملتهن. وتوفر ملاحظاته تبريرا علميا قيّما إلى العديد من النساء اللواتي طالما قمن بدعم وجهات نظر مماثلة.
يوفّر تطوير تفسيرات دينية حديثة للتعامل مع قضايا النساء أساسا قويا وغنيّا للطروحات النسوية، وقد حققت رئاسة الشئون الدينية تقدما هاما في مجال تطوير تفسيرات حديثة ودقيقة بشكل عام وبصورة خاصة حول موضوع المرأة. ورغم أنه ما زال لدى المرأة المسلمة مسافة بعيدة تقطعها قبل الحصول على الحقوق التي يوفّرها الإسلام لها، إلا أن إصلاحات رئاسة الشئون الدينية، بما في ذلك إعطاء المرأة سبل الوصول إلى مناصب دينية وسيطرة تفسيرات جديدة للمصادر الدينية، أخذت تمهد الطريق باتجاه تمكين المرأة.
وتقوم النسويات بالترويج للعديد من هذه التغيرات في التفسيرات الدينية. وتوفر تقوية حقوق المرأة من خلال الإشارة إلى الدين إرشادات للمرأة في الدول الإسلامية الأخرى، وهو مشروع متناسق مع مهمة تركيا لتصبح نموذجا يُحتذى لدولة إسلامية حديثة.
* ناشطة في مجال حقوق المرأة وعضوة في منظمة «النساء في ظل قوانين المسلمين» وتتابع حاليا دراسات عليا في علوم السكان بجامعة تورنتو، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2432 - الأحد 03 مايو 2009م الموافق 08 جمادى الأولى 1430هـ