قبل عشرين عاما كانت المجر التي بدأ فيها هدم «الستار الحديد» الشيوعي في أوروبا في الثاني من مايو/ أيار، تشكل الحدود الحقيقية والإيديولوجية بين الشرق والغرب.
وقال المؤرخ المجري جيزا سيبيني لوكالة فرانس بريس «إن المجر كانت الحلقة الضعيفة من الستار الحديد وهناك حتما انهار» الجدار، مذكرا خصوصا بالحقبة المميزة للانتفاضة المجرية في 1956 ضد النظام السوفياتي التي انتهت بقمع دام من جانب قوات موسكو.
ولعدم تكرار مثل تلك اللحظات التي قلبت أوضاع الأمة برمتها قرر الأمين العام للحزب الشيوعي بعد 1956 وحتى 1988 يانوش كادار الذهاب في حركة التحرر أبعد مما كانت تسمح به موسكو.
وخلافا لدول أخرى كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، عاشت المجر بشكل أفضل من جيرانها في أوروبا الشرقية في تلك السنوات بعد الانتفاضة بحيث توفر لديها على الدوم كميات كافية من اللحم والخضار وحيث كان بإمكان المواطنين حتى إيجاد سروايل جينز مصنوعة في المجر او بيبسي كولا.
وكان قسم من السكان يملك منازل إضافية. كما كان بإمكان الشركات العائلية الصغيرة أن تزدهر وباستطاعة المجريين أن يطلبوا كل ثلاث سنوات وثائق تسمح لهم بالسفر إلى الغرب، وهي خطوة لم يكن من الممكن تصورها في الدول الأخرى المنضوية تحت لواء حلف وارسو والتي أطلقت على النظام الخاص في بودابست لقب «شيوعية الغولاش» (لحم يطبخ على الطريقة المجرية).
لكن ذلك النظام المميز كان يكلف غاليا الدولة التي لم يتردد قادتها في التوجه إلى الغربيين.
وقال المؤرخ إن «كادار التقى أربع مرات مستشارين ألمانا وأربع مرات فرنسوا ميتران (الرئيس الفرنسي الراحل) أيضا، مع قروض وتنمية العلاقات السياسية التي أصبحت كذلك أمرا محتوما».
وسرعان ما انضمت المجر إلى منظمات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مما أغضب موسكو بحسب المؤرخ مستطردا «لكن من سخرية القدر ان السوفيات كانت أيديهم موثقة أيضا لأنهم لم يكونوا يريدون المجازفة بـ1956 آخر».
ومع وصول ميخائيل غورباتشيوف إلى الكرملين هبت رياح جديدة أسرع القادة المجريون الجدد في اغتنامها.
ويتذكر ايمري بوسغاي وزير الدولة وزعيم الشيوعيين الإصلاحيين في ثمانينيات القرن الماضي التحذير التمهيدي الذي أطلقه غورباتشيوف في مارس/آذار 1989 بقوله «إن 1956 لا يمكن أن يتكرر».
وقال في أحد كتبه «حاولنا آنذاك إيجاد مفهوم ايجابي لتلك العبارة الغامضة».
ودعا بوسغاي اعتبارا من أكتوبر/تشرين الأول 1988 إلى هدم سياج «العار» البالغ طوله 350 كلم مع أسلاك شائكة ونظام مراقبة إلكتروني باهظ التكلفة.
وفي يناير/ كانون الثاني كان السباق في التأكيد علنا أن انتفاضة 1956 لم تكن «ثورة مضادة» كما كانت موسكو تؤكد بل «انتفاضة شعبية» بدون أي رد فعل من الكرملين الذي كان لا يزال يحتفظ بـ120 ألف جندي في المجر.
وبعد شهر من ذلك، تحديدا في شباط/فبراير 1989، اتخذ المكتب السياسي للحزب الشيوعي المجري، الحزب الاشتراكي العمالي، قرار البدء بهدم «الستار الحديد» خصوصا لأن صيانته أيضا كانت مكلفة كثيرا.
وفي جمهورية ألمانيا الديمقراطية المجاورة كان اريش هونيكر يعلن على الدوم أن «جدار برلين سيصمد مئة عام أخرى».
وفي الثاني من مايو/أيار كان حرس الحدود المجريون البادئين بهدم الجدار. وقبل ذلك تلقوا تعليمات بعدم إطلاق النار على هاربين محتملين فيما كانت موسكو لا تزال تلزم الصمت.
سلسلة أحداث استمرت أشهرا عدة سبقت قيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية في التاسع من نوفمبر /تشرين الثاني 1989 بفتح «الستار الحديد»، في جميع الكتلة السوفياتية في أوروبا الشرقية.
- 2 مايو 1989: المجر التي كانت بدأت منذ سنوات عدة سلوك طريق التحرر، تفتح الثغرة الأولى في «الستار الحديد» من خلال تفكيكها نظام الإنذار الإلكتروني وسياج الأسلاك الشائكة المزدوج الذي كان يقفل منذ 1966 حدودها مع النمسا.
- 4 يونيو/حزيران: في بولندا جرت أول انتخابات شبه ديمقراطية في بلد شيوعي توجت بفوز نقابة التضامن بزعامة ليخ فاونسا الحركة العمالية الوحيدة التي تشكلت في أحد بلدان أوروبا الشرقية.
- 16 يونيو: جنازة رئيس الحكومة المجرية أثناء انتفاضة 1956، ايمري ناجي الذي أعدمه النظام الدكتاتوري الشيوعي في 1958، تتحول إلى تظاهرة ضخمة للمطالبة بالحريات الديمقراطية.
- 27 يونيو: وزيرا الخارجية المجري والنمساوي غيولا هورن والويس موك يقطعان رمزيا لالتقاط «الصورة» التذكارية اسلاكا شائكة في «الستار الحديد» في سوبرون.
- 18 أغسطس/آب : 600 ألماني من الشطر الشرقي يهربون إلى المجر مغتنمين فتح مركز حدودي مع النمساوي بصورة استثنائية لمناسبة تجمع أوروبي.
- 24 أغسطس : في بولندا تادوش مازوفيكي المستشار المقرب من ليش فاليسا يصبح أول رئيس حكومة غير شيوعي في واحد من بلدان أوروبا الشرقية منذ أكثر من 40 سنة.
- 10 سبتمبر/أيلول: المجر تسمح لألمان شرقيين بالعبور بكل حرية إلى النمسا وتبطل من جانب واحد الاتفاق المبرم مع جمهورية ألمانيا الديمقراطية في 1969. وهكذا عبر أكثر من خمسين ألف شخص إلى الغرب.
- 25 سبتمبر : نحو 8 آلاف شخص يتظاهرون في لايبزيغ للمطالبة بإصلاحات ومزيد من الحرية. وكانت أكبر تظاهرة للمعارضة منذ الانتفاضة العمالية في 1953.
- 30 سبتمبر/أيلول : في تشيكوسلوفاكيا سمح لأكثر من أربعة آلاف ألماني شرقي لجأوا إلى سفارة جمهورية ألمانيا الفدرالية في براغ التوجه إلى ألمانيا الغربية بعد اتفاق بين بون وبرلين الشرقية.
- 7 أكتوبر/ تشرين الأول : الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشيوف يحذر أثناء الذكرى الأربعين لقيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية، القيادة الألمانية الشرقية من مغبة الجمود السياسي.
وقال الأمين العام للحزب الشيوعي لاريش هونيكر منذ 1971 ورئيس الدولة منذ 1976 «عندما نتأخر تعاقبنا الحياة».
في المجر أوقف الحزب الشيوعي نشاطه لإنشاء الحزب الاشتراكي المجر.
- 18 أكتوبر: اريش هونيكر يضطر للتخلي عن مهامه ويحل مكانه اغون كرينز. اجتازت ألمانيا الديمقراطية أزمة كبيرة تجسدت بنزوح أكثر من 130 ألف من مواطنيها إلى جمهورية ألمانيا الفدرالية منذ بداية العام وبتظاهرات ضخمة غير مسبوقة.
- 23 أكتوبر: إعلان «جمهورية المجر» يوم الذكرى الثالثة والثلاثين لاندلاع انتفاضة 1956. وللمرة الأولى يلغي بلد في كتلة أوروبا الشرقية عبارتي «الشعبية» و»الاشتراكية» من دستوره.
- 4 أكتوبر: ما لا يقل عن مليون شخص، أي أكثر من ثلاثة أرباع السكان، يتظاهرون في برلين الشرقية في أكبر تجمع شهدته جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
- 7 نوفمبر: استقالة حكومة ألمانيا الشرقية التي كان يترأسها فيلي شتوب منذ 1976.
- 9 نوفمبر: سقوط جدار برلين.
العدد 2432 - الأحد 03 مايو 2009م الموافق 08 جمادى الأولى 1430هـ