في ليلة الجمعة الماضية كنت مع عدد من أصحابي في أحد المطاعم المعروفة في مدينة المنامة... أحد القادمين الجدد إلى المطعم (والذي يعرفني وأعرفه جيداً) سألني بعد السلام: مسامهة، إنتي لين ما ألهين بيتك في رفاع؟... قلت له نعم... قال: تهمّل، لأن فيه وايد زباب في شارع... قلت له: مستحيل، الذباب ينام في الليل... قال: لا، مو زباب مال يتير... آنه قسدي زباب مسل غيم مسل مطر... أووه، آسف... أنت تقصد الضباب...
وفعلاً... وعند خروجي من المطعم كان الجو رطباً للغاية والضباب الكثيف جداً مغطي المنطقة بأكملها، ومستوى الرؤية متدني إلى أبعد الحدود، ولكن ماذا أستطيع أن أعمل غير التوجه إلى المنزل؟...
ركبت السيارة متوجهاً إلى منزلي الواقع في نهاية شارع الشيخ خليفة بن سلمان... كانت البداية صعبة والشوارع مظلمة والسياقة بطيئة ومثل مشي السلحفاة حتى دخلت إلى شارع الشيخ عيسى بن سلمان عندما وجدت أن الحالة فيه أصعب من الشوارع الفرعية...
كان الجو العام في الشارع لونه أبيض (من الضباب) مع برتقالي بفعل الإنارة، ومستوى الرؤية متدنٍ ولا يتعدى العشرة أمتار، والإشارات الضوئية مختفية تماماً، والأهم من ذلك أن اللوحات الإرشادية والتي تقع على يمين الشارع لا يمكن قراءتها أبداً... طبعاً بالنسبة لي لا يهم أن أرى اللوحات الإرشادية لأني أعرف طريقي جيداً، ولكن الضيوف من الإخوة السعوديين والذين لا يأتون كثيراً إلى البحرين فإنهم بالتأكيد يحتاجون لقراءة اللوحات الإرشادية والتي توجههم إلى بلدهم عبر جسر الملك فهد...
السيارات جميعها على الشارع كانت إما متوقفة لا تعرف أين تتجه، أو تسير بسرعة لا تتعدى العشرة كيلومترات في الساعة... أما أنا، وبما أنني حافظ طريقي فقد كنت الأسرع وأسير بسرعة خمسة عشر كيلومتراً، ولذلك كان هنالك عدد من السيارات غير البحرينية تتبعني باتباع النظر إلى الأنوار الخلفية لسيارتي... وحتى عندما انعطفت من شارع الشيخ عيسى إلى شارع الشيخ خليفة كانت جميع السيارات تتبعني وأنا أراقبها من المرآة، وعندما اقتربت من مدينة حمد وانكشفت الرؤية لاحظت بأن جميع السيارات التي تعقبتني توقفت على جانب الشارع والسائقون لا يعرفون أين هم؟...
هذا الحدث رجع بي إلى تذكر ما حصل لي في العام 1974م عندما كنت ضابطاً في قوة دفاع البحرين وأعمل في المعسكر الذي يقع بالقرب من المستشفى العسكري... كنت أعزب والقوانين حينها أن الضابط الأعزب لابد وأن ينام في المعسكر، وفي ليلة من ذلك العام كنت عائداً إلى المعسكر وبعد أن وصلت إلى دوار مدينة عيسى ابتدأ الضباب الكثيف يلف الشارع فخففت كثيراً من سرعة السيارة وأنا أحاول أن أرى أمامي ولكن من دون فائدة... وفجأة وصل الفرج عندما تعدتني سيارة صاحبي في العمل فلحقتها... أسير بهديها ومتتبع أنوارها الخلفية، إلى الأمام وإلى اليمين وإلى اليسار وأنا خلفها مباشرة... لا أتركها تغيب عن ناظري لأنها السيارة التي ستوصلني إلى المعسكر...
توقفت السيارة فوقفت خلفها... أطفأت أنوارها ثم انفتح الباب وخرج السائق واتجه ناحيتي وهو يسألني: لماذا تتبعني؟ قلت آسف ولكني اعتقدتك زميلي في العمل، أين أنا؟... قال: أنت أوصلتني إلى منزلي الذي هو بعيد عن معسكرك وأحسن حل لك هو أن تطفئ الأنوار وتنام في السيارة حتى الصباح.... وهذا ما حصل..
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1185 - السبت 03 ديسمبر 2005م الموافق 02 ذي القعدة 1426هـ