أولاً، يجب أن توضح نقطة مهمة هي محل إجماع كل الفقهاء: إن الالتجاء إلى العنف في العمل السياسي محرم ولا يجوز شرعاً بأية صورة من الصور. والعلماء في البحرين على شتى مشاربهم لا يجوّزون ذلك. وهنا تأتي مدى صدقية الشعار الذي طالما رفع: «معكم معكم يا علماء». وللعلم، أكثر المشاركين من الأحداث وسنهم لا يتجاوز الـ 15 والـ 18 عاماً. العمل السياسي بلا غطاء فقهي يسبب أزمة شرعية وقد يجرنا إلى كوارث ومحارق فيسقط الجدار على الجميع، ويجب عدم إيقاع اللوم على العلماء فيما حدث، فطالما حذر العلماء من التصعيد والتحدي والعنف مع إيمانهم الكامل بالعدالة الاجتماعية وحق العمل، ونحن مازلنا نصرخ: إن العمل حق كفله الدستور. لا أحد يقبل بعودة حوادث التسعينات وذلك الكابوس المرعب من الحزن والألم والسجون والمنافي. ليس قدرنا أن نموت وأن نسجن وأن ننفى. وعلى العلماء أن يتحركوا بحسم وبقوة لحفظ الجمهور. وهنا نهيب بكل شبابنا، بكل قرانا، بكل إخواننا الاستماع واللجوء إلى ما يطرحه العلماء، وما طرحه الشيخ عيسى قاسم والسيد عبدالله الغريفي والشيخ علي سلمان من توجيه متزن يعكس الحرص على حق العمل وعدم الانجرار إلى العواطف... و«لنكن أحرص الناس على أمن البلد وسلامة البلد». لقد بدأ ت بعض الاسطوانات تعزف في عقول بعض الشباب وهي أن كل العلماء مهادنون، متخشبون، ليس لديهم إحساس، لا يفكرون في الناس، وأنهم عملاء وخونة، و... و... و...، إذاً، من سيبقى لكم؟ إلى أين نحن سائرون ؟ إلخ. هذا الإطلاق يسبب هو الآخر أزمة فتقع الساحة أسيرة التشظي كما نشرت الصحافة يوم أمس الجمعة خطاب السيد عبدالله الغريفي، إذ قال: «إن خيار التشظي ليس هو الحل، أن يختلف أخوة الدرب الواحد في رؤى السياسة والعمل... ما أخطر أن يفقد العمل السياسي الوعي والبصيرة. إن هذا العمل يتحول إلى تخبط وتشتت وتبعثر وتشرذم، ويتحول إلى تيه وضلال». وركز السيد على ضرورة وجود الرؤية الفقهية في أي عمل، وقال: «لقد أصبحنا نسمع في خطابات بعض العاملين في الساحة السياسية وممن ينتمون إلى الدين مقولات تحاول أن تنفي الحاجة إلى الغطاء الشرعي في العمل السياسي... فلا شأن للفقهاء وعلماء الدين بهده المساحة». هل قدرنا أن ندفع الفواتير المغلظة ثم نكون أقل حظوة ساعة توزيع الغنائم؟ لا مجاملة في ذلك ولنكن صرحاء في الموقف ولنقلها بملء الفم: العنف لن يخدم البلد، ولنعمل كلنا على الحفاظ على أمن البحرين. لقد أصبحنا نحسد على نعمة الأمن، فيجب ألا نفرط فيها. أمن المملكة من أمننا، وأن أية أزمة أمنية ستكون على حساب الجميع وعلى حساب مستقبل أبنائنا جميعاً، ديمقراطياً وسياسياً واقتصادياً وعلمياً. بالأسلوب السلمي تحل القضايا، ولا أحد يستطيع أن يزايد على ذلك... بالسلم وحده سنحصل على وظائف للعاطلين، بالسلم استطعنا بناء قرية المقشع النمودجية، بالسلم تم خفض رسوم الجامعة، بالسلم تم توظيف مئات من المدرسين في وزارة التربية، بالسلم تم نشر أسماء المرشحين للبعثات في صفحات الصحف، بالسلم تم تخصيص مبالغ للأيتام والمعوقين، بالسلم بدأنا نشهد حرية في الصحافة، بالسلم بدأنا نشهد تعديلاً في البنى التحية وفي الشوارع وبناء حدائق. نعم، هذه حقوق ولكن العنف سيحرق لنا كل شيء. أنا لا أقول الدنيا وردية في البحرين، ولم نقل ذلك وجلسنا في بيوتنا، بل على العكس مازلنا نعمل من أجل الناس بالمنطق والعقل، وهو أجدى وأفضل من أن يحترق كل شيء ويسقط الجدار على الجميع. المزايدات والسب لن يخدم أحداً. أقول ذلك حباً في أبنائنا وإخواننا... لا تقودوا البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، ولستم وحدكم في الساحة. هل من الإنصاف أن يهمش العلماء وجمعية الوفاق والتجار والمثقفين وكل العاملين في الساحة وتقاد السفينة إلى رأي واحد. أما بالنسبة إلى الشاب الذي يقال تم الاعتداء عليه، فإني لا استطيع ­ من منطلق شرعي ووطني وإنساني وأخلاقي­ أن أنفي الموضوع أو أثبته، فلابد من وجود لجنة محايدة، وتقرير طبيب شرعي، وفتح ملف قضائي لإثبات أو نفي حدوث الاعتداء. والسؤال: ماذا لو صح الحدث؟ وأيضاً ماذا لو لم يصح الحدث؟ يجب ألا نتسرع في الأمر ولنكن علميين في ذلك، لأن، الحدث بقوة مادة كيماوية، أي خلل فيها ستنفجر في وجوهنا فلابد من الدقة في الأمر احتراماً لعقلنا وعقل الجمهور. إن المسئول عن العاطلين عن العمل هي السلطة التنفيذية وليس بقية السلطة. بالنسبة إلى الدولة فهناك تقصير في عدة أمور: ملف الفساد المالي والإداري، فإلى يومنا لم يتخذ أي إجراء تجاه الأوقاف الجعفرية، وما حدث للتأمينات والتقاعد، ومحطة الحد، وللجنة في وزارة الكهرباء خير دليل على ذلك. غلاء الأراضي أصبح فاحشاً، والمواطن أصبح يحلم بقطعة أرض، في حين نجد متنفذاً واحداً يستحوذ على نصف أراضي منطقة سار، ومناطق في المحرق والجفير (طالع ماكل نازل ماكل)، بينما كان بالإمكان بناؤها وتحويلها إلى وحدات سكنية للفقراء، وعلى رغم ذلك نقول: الحل ليس بالانفعال وإنما بالأسلوب السلمي ومن قنواته، والتي منها الصحافة والبرلمان والنقابات. نحن في الصحافة لم نتستر على فساد ولا على ملفات ولم نهمل الفقراء. كتبنا وسنكتب ولكن بالأسلوب الحكيم والشرعي ووفق إيقاع المزاج العام والتوافق العام الذي يطرحه العلماء والرموز الوطنية. إن الحفاظ على اقتصاد البلد مسألة مهمة، وإن هروب رؤوس الأموال سيكون انعكاسه على الجميع. إن أي شعار غير شرعي وغير وطني لا يمثل أحداً من المجتمع. والمجتمع البحريني ­ بسنته وشيعته ­ يضع بثقله يده مع في جلالة الملك ­حفظه الله ­ راعي الإصلاح في البلد للحفاظ على الوحدة الوطنية والأمن الوطني والسلم الأهلي لبناء البحرين في تصحيح المسيرة وتعميق المكتسبات وتأهيل المواطن البحريني ­ بسياسة الخطوة خطوة ­ معنوياً ومادياً وتعليمياً، وإن ثلاث سنوات ­ على رغم بعض الإخفاقات ­ من عمر الإصلاح حققت ­ إذا أردنا أن ننصف التجربة ­ ما لم تحققه سنوات طويلة مرت على البحرين. نعمل لبناء البحرين ولأجيالنا القادمة، وسنشارك مشاركة فعالة في العيد الوطني المقبل باللوحات والأناشيد الوطنية عبر مركز الحوار، ونهيب بالقرى والمدن والمؤسسات أن تشارك بكل قوة في العيد الوطني المقبل بشتى الصور والأساليب... وشكر يقدم إلى المحافظة الشمالية والمرسم الحسيني على فعاليته القادمة الوطنية في العيد الوطني. ونحن عبر المركز سنقدم لوحتين كبيرتين» لوحة للفنان زهير السعيد، ولوحة للفنان الشاب حسين الخزاعي، تعبيراً عن حبنا للبحرين، ويجب أن نقف مع ما طرحه العلماء من موقف متوازن، وندعو كل أحبتنا إلى ذلك لنحفظ البلد ونعمل يداً واحدة من أجل أبنائنا العاطلين والفقراء والمعوزين، فهم أبناؤنا وتهمنا كرامتهم.