يوم أمس دعيت مع جمع من البحرينيين إلى ورشة عمل في غاية الأهمية، وهي الورشة التي عقدت في قصر الشيخ حمد في القضيبية والتي ينظمها مجلس التنمية الاقتصادية بالتعاون مع وزارة التربية وجامعة البحرين بشأن تطوير التعليم والتدريب في مملكة البحرين. لقد تم طرح ثلاثة تقارير جريئة وناقدة وفاحصة، ووضعت اليد على الجرح التعليمي للمؤسسات الثلاث. الملفت للنظر أن الورش التي تُعقد برعاية سمو ولي العهد دائماً ما تشعر فيها برغبة جامحة في معرفة المعوقات والأخطاء، وكيف يتم التصحيح لمستقبل أكثر أمناً من حيث الاقتصاد والتعليم والتدريب. أعتقد أن الورشة ناجحة بامتياز لعدة أسباب منها: الاعتراف بوجود الثغرات في التعليم في المدارس الحكومية والتعليم العالي. والإقرار بالمرض والاعتراف بوجود خلل» ما هو إلا بداية للسيطرة عليه. في دولنا العربية تعودت مؤسساتنا الرسمية على وضع المساحيق والمكياج على محيا المؤسسات، وأن كل شيء صح، كل شيء تمام ونظرية المؤامرة حاضرة لتفسير أي نقد يوجه إلى السلطة. وهذه المنهجية ساهمت في تفشي ظواهر الفساد وتأخر التعليم وضعف الاقتصاد. الفرق بين العالمين العربي والغربي أن الأخير يمتلك عقلاً نقدياً جريئاً لأدائه بخلاف العقل العربي، فهو عقل تبريري نرجسي لا يعترف بأخطائه. عندما قرأت التقارير شعرت بالارتياح لأني شعرت بأن السلطة تفكر بأسلوب منطقي فاحص للخلل، فإقرارها به دليل على أنها متجهة إلى التصحيح والتطوير. فيجب أن تشجع في تطوير التعليم والتدريب لنحظى باقتصاد متين قوي. ولنا أن نسأل: كم تستوعب جامعة البحرين من الطلبة؟ ما مستوى مدرسيها ومستوى طلبتها؟ هل بإمكان الطلبة الإنتاج في سوق العمل؟ كم نسبة الرسوب ونسبة المفصولين في هذه الأعوام؟ هل يمتلك طلبة بعض التخصصات قوة في مادة الإنجليزي؟ كم عدد السنين التي يدرس فيها الطالب؟ ما مدى مستوى الجامعة مقارنة بالجامعات الأخرى من الدول المتقدمة؟ هل الموازنة تتناسب وحجم الجامعة؟ ما الفارق بين خريج جامعة أكسفورد وخريج جامعة البحرين؟ هل هناك تنسيق بين الجامعة ووزارة التربية ووزارة العمل وديوان الخدمة؟ ما طبيعة المناهج الدراسية... هل هي حداثوية ويُعمل على تطويرها بما تتناسب وسوق العمل؟ هل الخريج يصبح عملياً أم ببغائياً لا يقدر على تطبيق ما درسه؟ ما طرح عينه يطرح على وزارة التربية والتعليم ويبقى سؤال آخر: هل الجامعة والوزارة فقط هما المسئولان عن هذا الوضع؟ أبداً، فالجميع مسئول، بما فيه الثقافة الاجتماعية التي تقدم للطالب، لكن يبقى المسئول الأكبر هو السلطة التنفيذية. التعيينات والرقابة والمحاسبة تأتي وفق معايير مزاج السلطة وليس وفق معايير علمية، وهذا انعكس على مستوى التعليم. غياب النقد العلمي والرؤية التصحيحية لمسيرة التعليم أوجدت تراكمات تاريخية ساهمت في خلخلة التعليم، ووضع جامعة البحرين أفضل نسبياً الآن من وضعها أيام الرئيس السابق محمد جاسم الغتم في كثير من الأمور وكانت له تداعيات مؤدلجة من الصعب إزالتها في هذه السنين القلائل. لإنصاف جامعة البحرين لابد من الإقرار بأن الموازنة المرصودة لا تتناسب وحجم عمل الجامعة. وفي الجامعة كفاءات إدارية وأكاديمية لكنها لا تستطيع استيعاب كل الثغرات. في التقرير أرقام تستحق الوقوف أمامها لدراسة الظاهرة من أجل إيجاد الحلول وليس من أجل النقد. فالخطأ جمعي ويقع على الجميع وإن كان كل بحسب نسبته. إن الطريقة العلمية الناقدة التي تطرحها مثل هذه الورشات لاشك ستخدم البحرين ونظامها التعليمي والتدريبي. يجب أن نتحمل النقد لنبني البحرين. البحرين يبنيها النقد العلمي البناء وتشجيع الإيجابيات
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1182 - الأربعاء 30 نوفمبر 2005م الموافق 28 شوال 1426هـ