تزايدت الضغوط على الرئيس جورج بوش مطالبة إدارته بوضع جدول زمني للانسحاب من العراق. بوش حتى الآن يرفض الاعتراف بفشل مشروعه ويراهن على الوقت لتبرير فوائد الاحتلال. وإدارة «البيت الأبيض» تبدو بدورها مرتبكة بسبب وجود وجهات نظر غير متفقة على استراتيجية موحدة تدافع عن سياسة واشنطن. هذا العناد من جهة والارتباك من جهة أخرى بدأ يظهر على سطح مراكز القوى في الكونغرس. فأعضاء المجلس يتخوفون من انعكاسات الفشل في العراق على الانتخابات النصفية التي ستعقد في الخريف المقبل. وبسبب مخاوف دافع الضرائب (الناخب الأميركي) من انهيار الوضع العراقي تزايدت الضغوط على الرئيس بوش، فبدأ يطلق تصريحات تشير إلى فكرة الانسحاب وفق خطة زمنية متوافق عليها. هناك متغيرات بدأت تظهر على سطح السياسة الأميركية ولكنها حتى الآن لم تتبلور معالمها وتتوضح خطواتها. وهذا يعني أن البحث بدأ وسيأخذ مداه الزمني لتتم برمجة الانسحاب التدريجي في إطار توافقي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ويتوقع أن يأخذ البحث وقته الكافي حتى تتوصل مختلف الأطراف إلى صوغ مشروع الخروج من العراق بأقل الخسائر. وفي هذا السياق تسربت معلومات كثيرة عن خطوات الانسحاب ومراحله. فهناك خطوة لتخفيف عدد القوات، وبعدها تأتي خطوة تجميع القوات، ثم تبدأ خطوة التموضع في خمس أو عشر قواعد عسكرية في العراق، وأخيراً تسحب بعض الألوية والكتائب إلى دول مجاورة لبلاد الرافدين. هذه الخطوات التدريجية تبحث الآن ولم يحصل التوافق عليها نهائياً. وسبب الاختلاف يعود إلى نمو مخاوف من تلك التداعيات المتوقعة في حال تم الانسحاب الكامل من العراق. لذلك تشترط الإدارة على الفرقاء عدم الإعلان عن الخطة حتى لا ترسل إشارات خاطئة للدول الإقليمية. كذلك تميل الإدارة إلى فكرة التخفيف وليس الانسحاب. وتفضل واشنطن أن يترك قرار التوقيت للقيادة العسكرية حتى لا يحصل الانهيار في صفوف قوات الاحتلال. إذاً هناك آراء غير متفقة على الخطة الميدانية والجدولة الزمنية ولكن معظم تلك الآراء متوافقة على ضرورة تخفيف القوات لا سحبها. تخفيف القوات لا سحبها يبدو أنه الحل الوسط بين الآراء المختلفة وهو المرجح حتى نهاية السنة المقبلة. ومنذ الآن تبدو الإدارة غير حاسمة في تفصيلات المسألة. فهي تفضل فكرة إعادة الانتشار (التموضع) على سياسة الانسحاب بذريعة أن الحرب على العراق التي قررتها إدارة حزبية جمهورية تعني في النهاية مصالح الولايات المتحدة وأمنها. تحت سقف الأمن والمصالح تحاول إدارة بوش تسويق فكرة الامتناع عن سحب القوات نهائياً من العراق نظراً إلى ما تدعيه من وجود مخاطر على الاستراتيجية العامة للولايات المتحدة. وعلى هذا تراهن واشنطن على احتمال التوافق مع الأطراف الأميركية الداخلية (الكونغرس والحزب الديمقراطي) على وضع خطة قومية بديلة تعتمد سياسة التموضع في الخليج وإعادة نشر القوات في مناطق وقواعد في العراق وجواره لحماية أمن منطقة حيوية للاقتصاد الأميركي. فكرة التموضع (إعادة الانتشار) تبدو الآن هي الأقوى ويحتمل أن تتوافق عليها مختلف «اللوبيات» في الكونغرس لمنع حصول الانهيار واندفاع الفوضى من بلاد الرافدين إلى دول الخليج. ولهذا بدأت بعض الجهات الإقليمية تروّج مجموعة أفكار تتحدث عن مشروع تدويل أمن الخليج تحت مظلة الأمم المتحدة معتمدة قرارات سابقة صدرت عن مجلس الأمن تتعلق بالشأن العراقي وأمن المنطقة. الانسحاب النهائي غير وارد كما يبدو لا اليوم ولا غداً. والأمر المحتمل هو تخفيف القوات وإعادة نشر ما بقي منها وموضعتها في العراق ومحيطه الخليجي تحت مظلة الأمم المتحدة وضمن صيغة جديدة يطلق عليها: التدويل.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1182 - الأربعاء 30 نوفمبر 2005م الموافق 28 شوال 1426هـ