انتصرت الصحافة على السياحة أخيرا بعدما "طزت السياحة عينها بصبعها"! حينما تحرشت "السياحة الفاسدة" لغرض في قلب يعقوب بنشرة "الديمقراطي" لسان حال "وعد"، منذ أكثر من سنتين وجرجرت خلالها زميلنا رضي الموسوي إلى النيابة العامة ومخافر الشرطة والمحكمة الجنائية الكبرى، وكأنه ارتكب جرما خطيرا لجريرته في كشف فساد، كابرت إدارة السياحة بوزارة الإعلام في الاعتراف به طوال السنتين الماضيتين، وكأن موظفيها "ملائكة منزهون"، لا يأتيهم الباطل من فوقهم ولا من تحت أرجلهم، ولا من خلفهم أو جانبهم، بينما الرائحة تفوح من مساحات بعيدة، ويشمها القاصي والداني، وأصغر مدير لصالة في فندق يلامسها واقعا يوميا يدفع بموجبها مبالغ لـ "تسليك حاجاته" المعروفة للمرتادين والسياح. حكم براءة الموسوي بلغة المنطق، يعني براءة "الرأي الآخر والصحافة" اللذين دائما في "موضع شك من قبل بعض المسئولين المتلبسين بالماضي العتيد". ثم تأكيد إثبات لما قدمته هيئة الدفاع من مستندات لما تم نشره في العدد الثامن من "الديمقراطي" التي أرادت وزارة الإعلام حينها وأدها "النشرة" كما كان يئد الرجل في الجاهلية ابنته، وذلك بسبب مذكرات المعتقل السياسي أحمد مكي، الذي حصل على براءته من المحكمة، ولكنه ظل تسع سنوات ونصف السنة في السجن "بريء ومدان في آن"، لأنه رفض تمرير مسرحية من إخراج "الأجهزة" ووليدها الشرعي قانون أمن الدولة "منصف السياسيين"! لتصفية اليسار البحريني في قضية جنائية ارتكبها مخموران وراح ضحيتها رئيس تحرير مجلة "المواقف" الصحافي عبدالله المدني في العام 1976م وقضيته الشهيرة آنذاك. واضح للمتابع، أن محاولة الوأد لـ "الديمقراطي" لم تكن بسبب موضوع "الفساد في السياحة"، بل ذلك الموضوع المذكور أعلاه، غير أن "الإعلام" أرادت أن تتذاكى بموضوع مفتش السياحة للهدف ذاته، لكنها لم توفق كونها أدوات قديمة "انتهت صلاحيتها" في عهد الانفتاح السياسي، وليس الخنق السياسي الذي كان، وأصبح من الماضي العتيق الذي تعرفونه.
ماذا يعني الوأد؟
يقول المفكر مراد وهبة في مقال فلسفي عنونه بـ "وأد العقل"، نشر في مجلة "الديموقرطية" المصرية، العدد 20 للعام ،2005 وهذه المجلة فصلية متخصصة تعنى بالقضايا المعاصرة للديمقراطية: "لغة: الوأد هو الدفن حيا. والدفن حيا يعني الخنق. وماذا يعني الخنق؟ لغة: عصر الحلق حتى الموت. وإذا كان الحلق هو منه تخرج حروف الهجاء عند النطق، فمعنى ذلك أن الخنق هو خنق النطق. وإذا كان لفظ "منطق" مشتق من لفظ "نطق"، فالخنق إذا إبطال المنطق. ومعنى ذلك أن ثمة تماثلا بين الخنق وإبطال المنطق". ووزارة الإعلام عندنا آنذاك على ما يبدو، حاولت إبطال المنطق بالوأد للرأي الآخر ودفنه حيا بالخنق، لأنها تخاف من حروف الهجاء إذا ما اصطفت للتحدث بالمنطق، إذ كانت الوزارة يومها منشغلة في المحافظة على السائد و"الوحدانية"، وكان على الصحافة، أيا تكن ومن أية ملة، "أن ترى بعينها وتسمع بأذنها وتمشي على مشيتها!"، وإلا فهي مشكوك في ولائها إلى "الوطن"، وخارجة على القانون، أو هي "مجرمة" والعياذ بالله. ألم يجرجروا صحافيينا إلى المحكمة الجزائية الكبرى، وليس إلى محاكم مدنية؟ الصحافيون كما القتلة والفاسدين والمنتهكين، لكننا لم نر أحدا من هذين الأخيرين قدم لمحاكمته، أو محاسبته على الجرائم التي ارتكبها... فهل تحتاج الأمور إلى توضيح أكثر؟ ربما، لكننا نكتفي حتى لا يجرى علينا المثل القائل: "من تمنطق تزندق" وإلغاء عقولنا وذاكرتنا بسبب الخرس الذي يحاول البعض فرضه على الصحافيين وتخويفهم من "نبش الدفاتر القديمة والجديدة السوداء". وحتى لا نفسد فرحتنا ببراءة زميلنا رضي الموسوي، وانتصار هيئة الدفاع التي دافعت بوطنية مشرفة عن حرية الرأي والتعبير، وتقويم أسس المجتمع الديمقراطية، بدل "تقويضها"، كما ادعى ممثل الادعاء العام في إحدى جلسات الموسوي، وكاد أن يسيس القضية بمنطق قانون أمن الدولة المقبور. هنا لابد أن نفرح لبراءة الموسوي وانتصار صحافتنا على الذين يطمحون إلى تحويل المجتمع إلى عتمة ما بعدها عتمة. لقد جربناها ودفع الكثيرون من الصحافيين ثمنها الباهظ، من الفصل التعسفي، إلى ضنك العيش، إلى قطع الأرزاق للذين يكتبون كلماتهم ولا يمشون. مبارك "بومحمد"، مبارك للرأي الآخر، مبارك للصحافة، مبارك للوطن ... وشكرا للقاضي النزيه. أما أنت يا "سياحة" فاذرفي "الدموع أربعا أربعا"، أو راقبي الفساد في داخلك بطريقة تختلف عن "طائرات أواكس" عندما كانت تراقب "مهربي الخمور" على سواحل الخليج، بينما كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تقصف مفاعل تموز النووي العراقي!
العدد 1181 - الثلثاء 29 نوفمبر 2005م الموافق 27 شوال 1426هـ