يرتبط البحث العلمي في تاريخه القديم بمحاولة الإنسان الدائبة للمعرفة وفهم الكون الذي يعيش فيه، وظلت الرغبة في المعرفة ملازمة للإنسان منذ المراحل الأولى لتطور الحضارة. .. وعندما حمل المسلمون العرب شعلة الحضارة الفكرية للإنسان، ووضعوها في مكانها السليم، كان هذا إيذانا ببدء العصر العلمي القائم على المنهج السليم في البحث، فقد تجاوز الفكر العربي الإسلامي الحدود التقليدية للتفكير الإغريقي، وأضاف العلماء العرب إلى الفكر الإنساني منهج البحث العلمي القائم على الملاحظة والتجريب، بجانب التأمل العقلي، كما اهتموا بالتحديد الكمي واستعانوا بالأدوات العلمية في القياس. وفي العصور الوسطى بينما كانت أوروبا غارقة في ظلام الجهل كان الفكر العربي يفجر - في نقلة تاريخية كبرى - ينابيع المعرفة. ثم نقل الغرب التراث الإسلامي، وأضاف إليه إضافات جديدة حتى اكتملت الصورة وظهرت معالم الأسلوب العلمي السليم، في إطار عام يشمل مناهج البحث المختلفة وطرائقه في مختلف العلوم، التطبيقية والإنسانية. فالبحث العلمي يعتبر ممارسة علمية في الحصول على نتائج مختلفة للوصول الى التطبيقات التي يبحث عنها الباحث في مختلف المعارف والعلوم، فقد تمثل العرب المسلمون المنهجية في بحوثهم ودراساتهم في مختلف جوانب المعرفة. والمنهجية التي اختطوها لأنفسهم تلتقي كثيرا بمناهج البحث الموضوعي في عصرنا، وشهد بذلك بعض المستشرقين الذين كتبوا مؤلفات يشيدون فيها بما يتمتع به العلماء المسلمون من براعة فائقة في منهج البحث والتأليف، ويبدو ذلك واضحا في كتاب "مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي". وهكذا يتبين للباحث إسلامية وعربية البحث العلمي من حيث النشأة والبداية والسبق، ومنذ الاقدمية حتى تطورت طرائق البحث العلمي إلى يومنا هذا. وفي الواقع هذه المدرسة التاريخية العربية تسعى أيضا إلى أن تغطي عددا كبيرا من الاختصاصات التاريخية الجديدة، وأقول من خلال هذا التطور الجديد: "حرصنا أن نكون نواة علمية واسعة، وسنسعى مستقبلا أن نعمم اهتمام الباحثين وخصوصا الجيل الجديد من الباحثين العرب، وأن يبتعد عن المسائل العائمة والسهلة، فالبحث العلمي هو جهاد يرتقيه كل باحث، والذي يثبت للعالم قدرات الباحث العربي أن يعطي نفسه كل شيء لغة وإدراكا ومنهجا واستيعابا واستيفاء لكل المناهج البحثية". لهذا فإن وظيفة الجامعات العربية الآن هو أن تسعى إلى أن تخرج من الموضوعات العائمة البسيطة للوصول لمستوى من النضج المعرفي المنهجي الذي يترجم عن جهد كل الباحثين.