يرى الاكراد أن الايزيديين "الايزيدية"، وهم أكراد أصلاء في حين أراد نظام صدام حسين أن يعرفهم بأنهم عرب ينتمون إلى يزيد بن معاوية! لكن الايزيديين يصرون على انهم أكراد، ودرجة كرديتهم أقوى من كل الأكراد، ويبررون هذه القناعة بأنهم مازالوا متمسكين بالثقافة الكردية، وأنهم يوجدون في عمق المناطق الكردية، سواء في كردستان العراق أو غيرها من المناطق. من يعيش مع الايزيدية يعرف انهم يتمتعون بخصوصية مميزة عن بقية الاكراد، فهم شعب منغلق ومتشبث بالطائفة، وينظر إلى بقية الاكراد على انهم ضعفاء وليسوا مكان ثقة، لأنهم تركوا دينهم الاصلي "الايزيدية" وأصبحوا مسلمين. وزواجهم يتم من ضمن دائرتهم الايزيدية، فهم لا يتزاوجون مع غيرهم حتى وإن كانوا أكرادا. ويعتقدون أن لهم إلها واحدا، هو إله الخير "اهرومزدا"، ويؤمنون بكتاب واحد اسمه "زندفيستا". رجالهم يلبسون العقال مثل العرب، وهذا ما استغله بعض القوميين العرب للقول إنهم عرب. ونساؤهم أكثر ذكاء، ويدرن كل الامور. مقر حجهم الرئيسي "المكان المقدس" هو في كردستان العراق، في منطقة شيخان التابعة لمحافظة الموصل "لالش". وهم غير مستقلين في الرأي، إذ يحكمهم شيخهم الكبير، ولو أن لديهم تنظيمات حديثة، لكن غالبية هذه التنظيمات توجد في أوروبا. ولديهم إحساس قوي بالانتماء، فكانوا يتواصلون فيما بينهم بشكل غريب حتى في أيام صدام حسين. وكانت الزيارة إلى العراق ممنوعة، وكان بإمكان الايزيديين التواصل وإقامة الزيارات. وهم يتمتعون بأخلاق عالية واستقامة في التعامل. ويوجد الايزيديون في أجزاء كردستان كافة، لكن أكثرهم في كردستان العراق، ويقدر عددهم اليوم بنحو نصف مليون نسمة "بحسب بعض المؤرخين"، مع ان الإحصاء الرسمي في العام 1977 يذهب إلى تحديدهم بـ 102191 نسمة في العراق. كما أنهم يوجدون في أرمينيا وجورجيا ومناطق أخرى من الاتحاد السوفياتي السابق. ويوجدون أيضا بكثافة في كردستان إيران وتركيا، أما في سورية فيوجدون في الجزيرة وفي عفرين، ولديهم هناك نحو 20 قرية. في كردستان العراق يوجدون في منطقة شيخان وسنجار وبعشيقة ودهوك وأربيل وتلكيف وزاخو وتلعفر. وكغيرهم من الاكراد، مارس النظام العراقي السابق سياسات عنيفة ضدهم، فقام بتشريدهم من مناطقهم وتعريب أماكنهم وسجنهم، وغير ذلك من ممارسات. بل مارس معهم سياسة أكثر خطورة، فبث الفتنة بينهم وبين الشيعة على أساس انهم ضربوا ضريح الإمام الحسين في كربلاء أيام الانتفاضة الشعبية الشيعية العام ،1991 مع انهم لا ناقة لهم في ذلك ولا جمل. منذ سنوات والايزيديون لا يعيشون في اطمئنان، والسبب يعود إلى ان التنظيمات الكردية استطاعت ان تخترق جدار الايزيديين وتشتغل عليهم مثل حزب العمال الكردستاني، ولذلك نرى ان تعايشهم مع الحكومة الكردية مسألة صعبة، على رغم المنح والخدمات التي تقدمها الحكومة لهم. واليوم يشعر الايزيديون بالغبن والتهميش أكثر، ويعيشون في خلاف حاد مع العملية السياسية الكردية، ولعل السبب يعود إلى عاملين: الأول يتمثل في الانتخابات البرلمانية الانتقالية، إذ إن أكثر الايزيديين حرموا من التصويت في الانتخابات السابقة، بحجة عجز المفوضية عن إيصال الصناديق إلى المناطق التي يسكنها الايزيديون، وهي مناطق شبه جبلية يسكنها أكراد يتبعون محافظة الموصل مثل منطقة "شيخان"، واتهموا حينذاك بعض الجهات الكردية بالتواطؤ، مع ان الحزبين الكرديين أيضا أدانا هذا العمل، واتهما المفوضية بأنها تمارس سياسة شوفينية بحق الأكراد، لأنها حرمت أكثر من 175 ألفا من التصويت. والعامل الثاني هو الخبر الذي نشرته صحيفة "الهوال" "وتعني الأخبار بالكردية"، التي تصدر في السليمانية بشأن أسماء قائمة التحالف الكردستاني في محافظة نينوى بين الأوساط الايزيدية في العراق، ما أثار حفيظة الايزيديين، وولد ردود فعل كبيرة لديهم، إلى درجة أصبحت هناك حملة تعبئة شاملة لدفع الايزيديين إلى عدم التصويت لصالح قائمة التحالف الكردستاني - التي تشكلت من قوى وفعاليات بعضها جديدة وبعضها قديمة مثل "الجماعة الإسلامية الكردستانية"، وهي جماعة كانت حتى الأمس القريب خارج إطار العملية السياسية في العراق، وترغب اليوم في الدخول من بابه الواسع، من خلال إعادة العلاقة مع الحزبين الرئيسيين "الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني". ويذكر أن الخبر الذي نشرته صحيفة "الهوال" كان مفاده خلو قائمة التحالف الكردستاني من مرشحين أيزيديين ماعدا اسم واحد جاء ضمن قائمة مرشحي محافظة نينوى، الأمر الذي أثار الشكوك لدى الايزيديين، ما أعاد إلى أذهانهم سياسة "التهميش" التي عاشوها طوال السنوات الماضية، لأنه بنظرهم لم يكن شرطا أن يحالفهم الحظ بالحصول على مقعد، كما أنهم لا يرضون بالأساس بمقعد واحد نسبة إلى حجم وجودهم في هذه المناطق. الخبر كان محل مفاجأة للجميع، فهناك من اعتقد من الايزيديين أنهم يدفعون ثمن سياسات قديمة، مع انهم يعتبرون أنفسهم "أوفياء لقوميتهم الكردية على الدوام، وضحوا بالكثير من أجلها"، حسبما يقول أحد كتابهم في أحد المواقع الكردية على شبكة الانترنت. وهناك من اعتقد من الايزيديين ان الحزبين يمارسان سياسة مقصودة تجاههم، وهما مستمران فيها، كما يقول الكاتب خضر دوملي على موقع للانترنت تابع للحزب الديمقراطي الكردستاني. ويقول إن "الحزبين الرئيسيين بدلا من توطيد الثقة التي تتراجع بينهما وبين الجماهير الكردية عموما والايزيدية خصوصا، نراهما يسلكان سبيلا آخر في التعامل، فالمراقبون المنصفون يعلمون جيدا، وبحسب احصاءات المشاركين في عملية الاستفتاء على الدستور، أن الايزيديين الذين انجحوا التصويت، ومن يشك في ذلك فليتذكر أن عدد المشاركين في الاستفتاء في الموصل تجاوزوا "320" ألف نسمة، ولا يخفى على أحد أن أكثر من نصفهم كانوا من الايزيدية" فيما تجاوز عدد الذين شاركوا في التصويت في سنجار الـ 80 ألفا، 90 في المئة منهم صوتوا بنعم. وعدد الايزيدية في قضاء تلكيف الذين صوت أكثرهم بنعم، تجاوزوا - بحسب المراقبين - الـ 30 ألفا، أكثر من ضعفهم في "شيخان وبعشيقة بحزانى". إذا، المسألة لا تحتاج إلى معادلات حسابية، ولم يكن الايزيديون يحسبون ذلك منة على قائمة التحالف الكردستاني أو أية جهة أخرى، لأنهم اعتبروا ذلك واجبا قوميا، كان لابد من الآن القيام به، كما يقول دوملي. واتهم موقع انترنت ايزيدي مسئولين أكرادا بأنهم "يعينون الأسماء بحسب اتفاقات مسبقة وبحسب الأهواء و"المناصفات""، بعيدا عن "الشفافية التي نتشدق بها كثيرا، وإلا لكان حصل العكس". ويتوقع بعض المراقبين ان الخطأ الذي وقع فيه الاكراد ستدفع قائمة التحالف الكردستاني ثمنه، فإن أكثرية الايزيدية لا تؤيد قائمة التحالف الكردستاني، إذا "لم يبادر الاكراد بتصليح العطب". ولا غرابة ان يكون في هذه المنطقة "الايزيدية" أكثر من 220 ألف ناخب، وبحسب الأسماء التي ظهرت، سيمثلهم عضو واحد فقط، مع انهم يستحقون أكثر من اسم أو مقعد. فهل بإمكان اللجنة التي أسسها الديمقراطي الكردستاني تلافي الخلافات وتصليح الوضع؟ إن الحزب الديمقراطي الكردستاني وفور سماع هذا الخبر وعودة مسعود البرزاني من زيارته الأميركية والأوروبية الطويلة إلى أربيل، سرعان ما قام "الديمقراطي الكردستاني" بتأسيس اللجنة الخاصة لبحث الأسباب ومعرفة ما جرى وراء الكواليس من اتفاقات. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن بقوة: هل بإمكان الحزبين تلافي ما خرب وإعادة الايزيديين إلى حضن العملية السياسية الكردية، ليسهما في نقل الايزيدية من حال اللاتعايش إلى حال التعايش؟
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 1180 - الإثنين 28 نوفمبر 2005م الموافق 26 شوال 1426هـ