أنا من المحرق، وطوال سنوات طفولتي وحتى بعد نهاية دراستي وعملي في قوة دفاع البحرين كنت أسكن المحرق... وفي المحرق لا أنا ولا الكثير ممن كان حولي سمع أو عرف بأن هناك فرقاً بين الشيعي المذهب والسني المذهب.
في المحرق، كان أصدقائي بعضهم كراشية وبعضهم بيرمية وبعضهم من فريق الحياك وبعضهم من فريق الصاغة والبعض الآخر من فريق البنعلي أو من حالة بوماهر... لا يوجد فرق بيننا أبدا لا سني ولا شيعي... وأصلاً لم نكن نسمع بهذه التسميات ولا نعرفها... أحياناً نتزاعل وفي غالبية الأحيان نكون مع بعض أحسن من السمن على العسل الأسود.
لقد كنا صغاراً ونلعب مع بعضنا بعضاً، ثم كبرنا وتصادق بعضنا مع بعض من دون أي إحساس بأنه سني والآخر شيعي أو العكس... وفي أيام العزاء في عاشوراء كنا جميعاً نتغذى في مأتم كريمي ونتعشى في مأتم البنائين وفي اليوم الآخر نبدل أكل الوجبتين في مأتمين آخرين... كان الكثير من أصحابنا أبناء الطائفة السنية يؤدون مراسم العزاء كاملة (كنوع من النذور) مع أصحابنا من الطائفة الشيعية... بلا فرق... كما وأننا في المحرق لا توجد لدينا فروق في نطق الحروف أو طريقة الكلام أو المعاني للمفردات، فالكل يتكلم بلهجة واحدة بغض النظر عن مذهبه الديني.
عندما كبرت وأصبحت ضابطاً في قوة دفاع البحرين كان لدي الكثير من اخوة السلاح الشيعة في وحدتي العسكرية... ضباط وجنود... كنا نعمل مع بعض ونثق بعضنا في بعض... وبحكم حبي الشديد للرياضة عموماً وكرة القدم خصوصاً فإنه كان لدي أقوى فريق كرة قدم في قوة دفاع البحرين ويتشكل من خيرة اللاعبين الموجودين في البلاد... منهم الشيعة ومنهم السنة... وكنا نلعب دائماً مع فرق القرى القريبة من معسكرنا مثل بوري وعالي والدراز والمالكية والهملة... وأهالي هذه القرى يعرفوني جيداً لأني ألعب مع فريقي ضد فريقهم وبعض من أبنائهم جنود ولاعبون لدي في وحدتي العسكرية.
كنت أحضر الكثير من حفلات الأعراس التي تقام لجنودي أو لأقاربهم أينما كانت (في القرية أو في المدينة) وبلا فروق وكان الذي يجمعنا فقط هو المحبة والإخلاص في العمل... واليوم وبعد تقاعدي من العمل وعلى رغم مرور 12 سنة مازال لدي الكثير من الأصدقاء الشيعة ممن عملوا معي سابقاً... يسألون عني وأسأل عنهم... لا يضعون في اعتبارهم مذهبي ولا أفكر في مذهبهم.
هذه هي المواطنة الصالحة... حب بلادنا وحب أبناء بلادنا من دون النظر إلى دياناتهم أو مذاهبهم... المواطنة هي حب الوطن... وحب الوطن يعني حب أبناء الوطن بعضهم لبعض، وثقة أبناء الوطن بعضهم في بعض... لا هؤلاء خوارج ولا أولئك نواصب... بل الجميع مسلمون تجمعهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويجمعهم حبهم جميعاً للبحرين وحب مملكة البحرين لهم جميعاً بلا تفرقة... وحب الأخ لأخيه في الدين والوطن.
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1180 - الإثنين 28 نوفمبر 2005م الموافق 26 شوال 1426هـ