في ظل تزايد الدعاوى القضائية، التي تقدمت بها عدة منظمات حقوقية وإنسانية فلسطينية وعربية ودولية، لمقاضاة القادة السياسيين والعسكريين في «إسرائيل»، الذين ارتكبوا إبادة بشرية وجرائم حرب في قطاع غزة، أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين، وخسائرفي البنية التحتية قدرت بمليارات الدولارات - قال رئيس بعثة الإغاثة الأوروبية لوي ميشيل عنها إن ترميماتها الأولية تحتاج الى مساعدات عاجلة بقيمة 70 مليون دولار أميركي - بدأت «إسرائيل» حملة مضادة لاحتواء التحرك الدولي الذي أثارته هذه القضية الإنسانية، وذلك من خلال تحفيز شعب «إسرائيل» في مستوطنات جنوب فلسطين المحتلة، على رفع دعاوى قضائية مماثلة، ضد حركة المقاومة في فلسطين، على مستوى المحاكم «الإسرائيلية» وفي الخارج، عبر الادعاء أن صواريخ المقاومة التي أطلقت حممها على مستوطنات الجنوب بصورة عشوائية، في ردود فعل انتقامية على ما كان يحدث في غزة، قد تسببت في حدوث أضرار بالغة في الأرواح والممتلكات العامة، ما يستوجب من حكومة «إسرائيل» القيام بحملة وطنية ودولية من أجل الدفاع عن أبنائها المتضررين من الحرب، ومقاضاة حركة المقاومة الفلسطينية والحصول على التعويضات.
وأفادت بعض المعلومات، أن عددا من «الإسرائيليين» في مستوطنات جنوب فلسطين، ممن حاولت الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» تلقينهم الدروس المتعلقة برفع الشكاوى ضد حركة المقاومة، قد صرحوا لوسائل الإعلام «الإسرائيلية» عن أن المقاومة ارتكبت «جرائم» في حقهم على مدى أيام الحرب التي استمرت طوال 22 يوما دون انقطاع، في إشارة واضحة إلى مقتل 13 مواطنا «اسرائيليا» من بينهم عشرة جنود، وتدمير بعض المنشآت الخاصة والعامة نتيجة قصف صواريخ المقاومة.
وعلى الرغم من كثرة الدعاوى القضائية المقدمة من حوالي 320 منظمة حقوقية دولية، إلى محكمة العدل في لاهاي والمحكمة الجنائية الدولية، ضد تورط «إسرائيل» في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مختلف مناطق القطاع، ردت «إسرائيل» بانتقاد هذه المنظمات لتجاهلها القتلى «الإسرائيليين» بصواريخ المقاومة وأصرت الحكومة «الإسرائيلية» السابقة على عدم إجراء مجرد تحقيق حول الفضاعات التي ارتكبتها المؤسسة العسكرية «الإسرائيلية» ضد المدنيين الآمنين في قطاع غزة، بل وأنها أطلقت الوعود للجنود وضباط الجيش، أن أحدا منهم لن يتعرض للمحاسبة أو حتى المسائلة القانونية، والتزمت أمامهم بتوفير الحماية القضائية لهم داخل «إسرائيل» وخارجها، في حال وجهت لهم تهم ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وعلى هذا الأساس سارعت بتعيين لجنة وزارية، برئاسة وزير العدل في الحكومة «الإسرائيلية» السابقة دانيل فيدمن، لمتابعة جهود «إسرائيل» لجهة عدم تسليمها أي من الضباط والجنود المشاركين في الحرب على غزة، الى أية محكمة جنائية دولية أو غيرها حول العالم، بل وأن الحكومة ذهبت إلى أبعد من ذلك، حينما قالت على لسان رئيس وزرائها السابق إيهود أولمرت: «إن «إسرائيل» قد توظف كل جهودها من أجل اقناع العالم برمته، أن حرب غزة كانت ضرورية من أجل حماية أرواح وممتلكات المدنيين «الإسرائيليين» في مستوطنات جنوب البلاد، من الصواريخ الفلسطينية، التي لم تتوقف حتى قبل حرب غزة إلا بالردع».
وكانت «إسرائيل» بالرغم من بشاعة ممارساتها العدوانية المستمرة على قطاع غزة والمدن والقرى والمناطق الفلسطينية المحتلة، فإنها تحاول دائما تصوير جيشها على أنه «الحمل الوديع المعتدى عليه»، وإنه «الجيش المتفوق أخلاقيا وحضاريا على الآخرين من جيوش العالم»، إلا أن ما كان قد شهده العالم برمته، في حرب يوليو/ تموز العام 2006 ضد حزب الله والمقاومة اللبنانية، ومن قبلها مجزرتي قانا الأولى والثانية، حتى حرب غزة الأخيرة، حيث نشرت مختلف الفضائيات العربية والعالمية على حد سواء الصور الإجرامية التي تقشعر لها الأبدان وتهتز لها الضمائر الإنسانية، يدحض مقولة التفوق الحضاري والأخلاقي لجيش «إسرائيل» العدواني، الذي لا يزال رغم هذه الكارثة الإنسانية ينتهك حرمات المواطنين الآمنين في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن دون أن يرف له جفن حتى على قتل الأطفال الرضع وسحقهم وتدمير المنازل على روؤسهم.
ومن الواضح تماما، أن «إسرائيل» ومؤسساتها العسكرية والأمنية، مازالت ماضية في التفكير باستخدام منطق القوة الغاشمة والردع الصاعق، لتحقيق الأهداف التي تفتقت في مخيلتها العدوانية من دون الاكتراث بحياة البشر الآخرين، بعيدا عن منطق الحكمة والتعقل، في معالجة أسباب القهر والحرمان والضياع والتشرد بين شعب فلسطين.
وعلى رغم أن «إسرائيل» مازالت ترفض الاعتراف، بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتتعامل مع هذه القضية بكثير من برود الاعصاب، إلا أن المعلومات المتداولة بين المنظمات الحقوقية الدولية، تجمع على أن خبراء القانون الدولي والمدافعين عن حقوق الإنسان، بدأوا يتعاملون مع هذه القضية الجنائية بكثير من الاهتمام والجدية، نظرا لخطورتها وطبيعتها الإجرامية المقلقة من خلال جمع الوثائق والمعلومات والصور التي تثبت ضلوع «إسرائيل» بارتكاب جرائم الحرب وتدمير الممتلكات والأراضي في قطاع غزة، وأنهم مستمرون، بالعمل وبكل الوسائل القانونية المتاحة لمقاضاة مجرمي الحرب «الإسرائيليين» في المحاكم الدولية، حتى وإن حظيت هذه القضية فقط بطابع معنوي. وأعتبروا أن جمع كل هذه البراهين والأدلة الدامغة كان أمرا ضروريا لتجريد «إسرائيل» مما تدعيه من تفوق جيشها أخلاقيا وحضاريا وحرصه على حماية المدنيين وتحمل المسئولية في الظروف الصعبة، مما أربك المسئولين «الإسرائيليين»، ولم يجدوا ما يقولوه اليوم للعالم برمته، من ارتكاب كل هذه الجرائم بحق الإنسانية، سوى أن الجيش كان في «حالة دفاع عن النفس»...
فمن يصدق ذلك؟
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 2431 - السبت 02 مايو 2009م الموافق 07 جمادى الأولى 1430هـ