علمنا الأقدمون مثلا شعبيا كانوا يرددونه بين الحين والحين على مسامعنا إلى يومنا هذا، يقول: "إشلك بالبحر وأهواله ورزق الله على السيف!"، وكدنا نصدق ذلك لنهجر فيما بعد البحر وخيراته، غير أن مطلق هذا المثل الفلكلوري البليغ لم يخطر على باله، أو مخيلته، أن الرزق وضنك العيش باتا ضيقين أيضا على "السيف" واليابسة معا، ما دعا الناس إلى ركوب المخاطر في البحر مرة أخرى لعل وجود ثروة سمكية كبيرة تشتهر بها بحارنا تستحق المغامرة ومصارعة الأهوال، إلا أن النتيجة كانت واحدة: مواجهة "حصارا" في البحر وعلى اليابسة، لا نرى فيه سوى الوجه المشوه للوجه، بينما مازال البعض يبحث من دون كلل عن "خاتم سليمان"، ولكنه بطبيعة الحال، لن يجده إلا في أحلامه. الثروة السمكية تستأسد على الفقراء من بحارتنا، وكذا حال خفر السواحل مرة بدواعي الحفاظ على البيئة، فتزيد قائمة الممنوعات، ومرة أخرى بإصدار قرارات "غير مكتوبة" لتقبض على البحارة وترسلهم إلى النيابة العامة لتقوم هذه الأخيرة بحجزهم وبتغريمهم ماليا، إلى مصادرة ممتلكاتهم؛ "شباك، طراريد، بوانيش إلى آخره"، بينما الذين يخربون البيئة "عينك عينك يا شاهر"، معروفين واحدا واحدا، في منأى عن عيون "الثروة السمكية وخفر السواحل والنيابة العامة وكل السلطات التنفيذية والتشريعية والرقابية"... فيه أحلى من هذا؟! قائمة الممنوعات التي تتفنن في إطلاقها الثروة السمكية لم تقتصر على جميع أنواع شباك الصيد تقريبا: من "إسرائيلي برسم وغير برسم" إلى شبك بوطاقين وثلاثة، إلى "الهيالي" لصيد الكنعد، ولم يبق إلا "شبك بوطاق" قد يجري الحظر عليه قريبا "إن شاء الله" ليطلبوا من صيادة البحرين الصيد بالقماش "وبس"، ثم يجري تعديل على نوع الصنارة "الميدار" المسموح به في أماكن محددة، حيث البحارة يعانون من حصار آخر في الأمكنة التي ضاقت بهم؛ فلم يعد مسموحا لهم الصيد إلا في أماكن لا توجد فيها الأسماك، أما الغنية بالثروة السمكية مثل: كورنيش الملك فيصل القديم، وجسر البحرين السعودية، وجزر حوار ورأس البر، وحالة الجيش "الشغب" في الجارم، وجزر "جدا وأم النعسان والمحمدية" وضع ما تشاء من الجزر الخاصة، فهي مناطق حظر. سألت بحارا مغامرا، للتو خرج من قبضة الشرطة بسبب نوع شبك يصطاد به: ما هي الأماكن المسموح لكم بالصيد فيها؟! رد في الحال: حيث لا توجد الأسماك "!!". كيف؟، ببساطة: كل مكان ممنوع علينا، مسموح لآخرين على رأسهم ريشة، وكل الشباك الممنوع علينا استخدامها للصيد، أيضا مسموح بها للذين على رأسهم ريشة: القرارات المكتوبة وغير المكتوبة، هي الأخرى، تطبق علينا وتستثنيهم؛ وأينما "ندلف" نواجه بسياسة "قطع الأرزاق"، وحتى "صاني" وهي داخل حدودنا الاقليمية يوجد فيها خفر سواحل من دولة شقيقة تمنعنا من الصيد فيها بحجة مطاردة المهربين. نحن البحارة بين المطرقة والسندان، إن اصطدنا في مياهنا الإقليمية، قبض علينا، وإن خرجنا من حدودنا واجهنا مصاعب الدول الشقيقة، وكأن مجلس التعاون أنشئ "للتعاون ضدنا" وتضييق سبل العيش علينا... قل لي بربك، أين نذهب؟!، وأين نصطاد، وبأي أدوات نصطاد؟! هذه الأسئلة نوجهها إلى "الثروة السمكية"، ومن خلالها إلى خفر السواحل، ومن هذه الأخيرة إلى النيابة العامة، ومن ثم إلى أعلى السلطات، لعلهم يجدون حلا يغيث بحارتنا الفقراء وينصفهم كبقية أبناء الخلق على هذه الأرض الطيبة، أما شماعة "حماية البيئة"، فإن شباك كل الصيادين البحرينيين لا تخرب مساحة بحرية صغيرة لعدة كيلومترات في مقارنة منطقية مع جرائم دفن خليج توبلي وخليج عراد، أو المنطقة الدبلوماسية لبحر رأس الرمان، أو ساحل البسيتين أو الحد أو السنابس أو الدير أو قلالي، أو الدراز، أو سترة أو جزيرة النبيه صالح، أو الجزر الاصطناعية المردومة الحديثة، أو دفن السواحل لمتنفذين نعرف أسماءهم الثلاثية والرباعية والخماسية إلى عاشر نسل. فيا إدارة الثروة السمكية، ويا خفر السواحل، ويا أيتها النيابة العامة، كفى استئسادا على الفقراء، فهم ليسوا مخربين للبيئة، ولا غير البيئة، فكل ما يريده هؤلاء البسطاء أن يروا عدالة وصدقا وإنصافا لتعبهم من أجل لقمة عيش غير ملوثة بالذل يطعمون بها أبناءهم بعرق جبينهم في مواجهة الأهوال ومواجهة الصعاب، لا تكشير أنياب عليهم، بينما الذي لا تخطئه العين هو أن السلطتين التنفيذية والتشريعية تغمض عيونهما لمشاهدة المخربين الحقيقيين للبيئة، الذين حتما، وأكيدا، انهم ليسوا من الصيادين البحرينيين وأنواع شباكهم، سواء كانت بطاقين أو ثلاثة طاقات، أو اصطادت قرب الجسور أو الجزر المملوكة، أو في أية بقعة في مياهنا الإقليمية. واضح من هم المخربون للبيئة، حتى الأعمى يرى بالسمع وبصيرته جرائم التخريب البيئي الذي تتباكى الثروة السمكية عليه وتتهم البحارة وشباكهم، بينما تصبح فأرة أمام الجرائم التخريبية الكبرى التي يرتكبها الدافنون، وتكافئهم على أفعالهم بالخرس عنهم ومعاقبة بحارتنا الفقراء بالحبس والتغريم أو بالعقوبتين معا... فيا أيها السادة: ما من أحد نائم!!
العدد 1178 - السبت 26 نوفمبر 2005م الموافق 24 شوال 1426هـ