العدد 1178 - السبت 26 نوفمبر 2005م الموافق 24 شوال 1426هـ

هل أتاك حديث الفقراء...

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

لدينا، نيابة عامة حركت الكثير من القضايا ضد الناس، لكنها تتلكأ عن النظر لتقرير الرقابة المالية ومحاسبة من تلاعبوا بأموال الناس جميعا. ولدينا برلمان، وجمعيات مشاركة ووعود انتخابية أصبحت من إرث التاريخ، ولا حلول جذرية للفقر في البحرين! ولدينا جمعيات مقاطعة لم تقدم للناس بديلا منطقيا أو برنامجا اقتصاديا ينقذ الوضع! وأخيرا، لدينا في النهاية "ساسة بارعون" في إضاعة الوقت والتلاعب بآمال الناس وأحلامهم. لدينا، وزارة الصحة، إذ يتفنن وكلاؤها في إصدار الإعفاءات المالية لعلاج الأجانب بما يكلف الدولة "عشرات الآلاف من الدنانير"، بينما يشتري أبناء البحرين أثمن الأدوية من الصيدليات الخاصة! أوقف هذا التلاعب الوزير الراحل خليل حسن، وعاد التلاعب بعد أن غادر! ولدينا صناديق خيرية تتملق باسم العمل الخيري، بعضها يجلس على عشرات الآلاف من الدنانير ونجدها تقدم "ستة دنانير" في الشهر لعائلة من "أرملة وخمسة أيتام" ولا تجد ما تأكله! وأخيرا، لدينا تجار يربحون الملايين ولم تساهم جيوبهم يوما في تحمل نفقة طالب فقير، أو في علاج مريض مصاب بمرض عضال! من الجميل أن تحاول عن كثب شق عبابك المتعالي من "الضحك المقصود" على ذقون الناس من لدن الإعلاميين والساسة، لتحاول أن تتلبس وظيفة الربانيين والمصلحين الكبار، على ألا تتقمص الدور أكثر من اللازم فيكون الأمر في حقيقته ليس أكثر من دعاية انتخابية مفضوحة، أو رغبة في شيء من المديح ممن يحسون بوجع الحال وقلة الحيلة. أو أن تكون تمهيدا لثورة جياع بحرينية! على أن هذا اللباس الإنساني الملائكي له رائحته التي لا تقاوم لدى أي كاتب أو حتى إنسان، فكما أن الأميركيين لم يقبلوا في ذكرى إحياء حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول بأي صور فنية "مبهمة"، أو بأي موسيقى مبالغ في رمزيتها، بل تعايشوا مع مفردات الحزن بما هو "حزن"، واعترفوا بصريح الكلمات بأن أكذوبة أن "الشر مات" ليست مجرد "وهم" فالشر حي لا يموت! من المهم أن نتكلم عن أولئك الفقراء الجياع! عن أولئك الذين لم تتغير أحوالهم المنكوبة لا بالمساعدات الخيرية "المهينة" من قبل بعض الصناديق الخيرية، أو من قبل الساسة الفارغين أرباب "الوعود التاريخية" الفارغة. هؤلاء الجياع الذين عرفوا أكذوبة الرهانات السياسية التي أقنعتهم في التسعينات وما قبلها بأن البرلمانات هي من سترجع حقوقهم المسلوبة، أو ستملئ بطونهم الجائعة، أو ستدفع رسوم الجامعات الحكومية والخاصة! هؤلاء، منهم من صدق "المشاركين في الانتخابات فشارك وكله أمل بالابتسامة، وجد الجياع برلمانهم مشغول بما قلت فائدته، وكثرت مضرته، ففي برلماننا "الجياع" فقط هم آخر اهتماماته إن كانت له اهتمامات، ومنهم من صدق "المقاطعين" فقاطع على أمل أن مؤسساته قادرة على حلحلة الأمور وطرح البدائل المنطقية، فوجد أربع سنوات من عمره ضائعة بين هنا وهناك، أربع سنوات من مضيعة الوقت في إجابة سؤال غبي، هل كانت المقاطعة أم المشاركة هي الخيار الأفضل؟! ومنهم من صدق الحكومة في وعودها بالحكومة الإلكترونية والنمو وجاهزية بيوت الإسكان، فنام طويلا هذا الأمل فلا سكن ولا حكومة إلكترونية ولا مال، اكتشف الجياع في نهاية المطاف أن الحكومة مصابة بالعمى! فجامعة الوطن ألغت برنامجها الصيفي وعطلت تعليم أبنائها بحجة العجز المالي! ولم يكن ثمة عجز مالي قبل أشهر حين اشترت الجامعة "تذاكر الفورمولا 1 ووزعتها على الطلبة والأكاديميين"! وتقرير الرقابة المالية أوضح أن هناك الكثير من المسئولين "المنشقين" عن التوجهات الملكية المباشرة ومراميها الإصلاحية. الضحية هي نفسها لم تتغير، فقط تغير الجلادون، غاب السوط والقناع، وأتى الجوع والانتظار حد الموت! أصبحت الخطابات أكثر لينا وشفافية من جهة، وأكثر خداعا وتهميشا وتطنيشا من جهة أخرى، الجلادون كثر لا يعلم عددهم إلا هؤلاء الجياع، منهم... "مؤسسات خيرية موازناتها بمئات الألوف من الدنانير وجياع القرى بجانب مبانيها الفاخرة لا تجد ما تأكله"، "برلمان بغرفتين نائمتين، آخر همهما الفقراء ودعم المحتاجين"، "جمعيات ومؤسسات سياسية لم تقم بفعالية واحدة لدعم الفقراء والطلاب المعوزين"، "صحافة مشغولة بكل شيء إلا الجياع"، "مؤسسات ووزارات حكومية تسرق أموال الناس ونيابة تغض النظر عن تقرير الرقابة المالية ولا تحاسب المخالفين". السؤال، من منا جميعا لم يشارك في مذبحة الجياع المتوارية عن الصحافة والإعلام؟ ثمة جياع في البحرين يموتون بهدوء، لم نعرفه نحن المتنعمون

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1178 - السبت 26 نوفمبر 2005م الموافق 24 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً