تعيش البحرين اليوم حالا من الشتات في الانتماء الوطني وحالا من الشتات في تبني الفكر المناهض للتطرف والتشدد وهو ما ينعكس بصورة جلية في بعض مناطق البحرين التي لا يسعفني أن أذكرها جميعا. فتحت لواء الدين والمذهب ظهرت للأسف نعرات طائفية تطفو كما يطفو "الفلين" على سطح الماء الذي يتفتت بسهولة لو عصفته رياح قوية. هكذا هو حال البحرينيين من بعد مرحلة الانفتاح السياسي فتعددت الوان وممارسات الطائفية والمناطقية بصورة لا يمكن أن يتجاهلها أي امرء ليبدو إنها بدات تتحول إلى واقع علينا تقبله على رغم مرارته كونه اصبح جزءا من الثقافة الحالية. هذا الوضع ذكرني بأحياء نيويورك ومدينة اوماها بولاية نبراسكا الأميركية المقسمة إلى مناطق للبيض والسود والهسبانك التي سنح لي فرصة زيارتها حديثا. هذه القساوة في التمييز إلى التشدد الذي يصل إلى درجة القتل في مناطق السود وأحيائهم تحديدا جعلني اعقد مقارنة بين ما هو في تنام في بلدي البحرين وبين ما هو موجود في الولايات المتحدة وحتى في بعض احياء لندن مثل بريكستون وغيرها. فالشعور بالقهر الاجتماعي يولده إحساسا بالمظلومية لتتحول فيما بعد إلى ثقافة تتربى عليها الأجيال لتتحول إلى ثقافة مناهضة بل ومتطرفة لكل رأي آخر حتى لو تغيرت الظروف والاوضاع لتصبح المسألة عادية عند هذه الفئة دون تلك وهكذا تساعده عوامل عدة مثل قلة الوعي. أن يشعر المرء بالاضطهاد نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لن يغير من الأمر شيئا سوى انه سيتأخر بدلا من ان يتقدم وخصوصا أنه ظل يدور في الدائرة نفسها عبر القاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك على رغم انه سيكون واقعا الخاسر الأكبر في كلا الاحوال فلابد من ان يتحدى الظروف بصورة عقلانية لا عاطفية من أجل ان يحقق ما يصبو إليه. ما دفعني إلى كتابة هذه السطور هو أننا كبحرينيين كنا نحمل في السابق هما وطنيا ومطالب وطنية واحدة دون فرق أما اليوم فقد اصبحنا نحمل في جعبتنا فرقا كثيرة ومطالب كثيرة دون الأخذ بالاراء الأخرى أو احترامها، فقد اصبح التطرف والتعصب يعشش في عقولنا وفي جيل بحريني امتنع عليه لسبب أو لآخر أن يعبر عن طاقته ولشحناته مكانا لتفريغ أحلامه وشكواه كونه ولد وشب في الفترة الواقعة بين ايقاف العمل بوتيرة الحياة الديمقراطية في منتصف السبعينات وبين ما وعدنا به ميثاق العمل الوطني والانفتاح السياسي من بث الروح مجددا في تلك الوتيرة... لكنها للأسف ظلت وعودا واختفت هذه الروح لتظهر روح التطرف وهي اسوأ ما كنا نتوقعه في هذه المرحلة.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1178 - السبت 26 نوفمبر 2005م الموافق 24 شوال 1426هـ