أعتقد ان المكان المناسب للوفاق هو حسمها للمشاركة في البرلمان. وأنا أؤمن برأي افلاطون في ذلك إذ انه يركز على عدم الحاجة إلى أخذ رأي الناس في القضايا المصيرية. ليس استهانة بالناس أو التقليل من أهميتهم فالامام علي "ع" يوصي دائما بالتواصل مع ما وصفه بـ "السواد الأعظم". وطبعا التواصل شيء والحسم في المواقف المصيرية شيء آخر. المجتمعات تشبه الأكواب والكؤوس تمتلئ بالموقف بحسب من يصلها بالتعبئة أولا. الجمهور البحريني لو انه عبئ مع الانتخابات الماضية لأصبح متشددا نحو المشاركة والعكس بالعكس. علماء السسيولوجيا "الاجتماع" يصلون إلى قاعدة علمية مفادها ان الشعوب يأخذها السياق الجمعي والعقل الجمعي على طريقة الأكواب، فأنت تستطيع أن تملأها ماء أو عسلا أو أي شيء آخر. ليس هنالك وقت الآن للانتظار ونحن الآن في الوقت الضائع وأعرف جمعيات كانت متشددة ضد المشاركة وها هي تطبع "البوسترات" وحسمت الأسماء وهناك من أرسل صوره للطباعة في بعض الدول. يسألني البعض من القراء: أين هو المؤتمر الدستوري وأين ستذهب العريضة الموقعة بالآلاف وذلك الحماس الكبير وتلك العشرات من التظاهرات والاعتصامات والانفعالات في المؤتمرات... و... والخ؟ أقول: لم تذهب إن شاء الله هدرا ولكن كانت الأمنية لوأفرزت تلك في مشروعات واقعية في المؤسسات التي منها البرلمان. السؤال الآن : طيلة السنوات الثلاث الماضية رحنا نقنع الناس بأن من ينادي بالمشاركة متآمر وبائع لدماء الشهداء وقابل بدستور المنحة ومتخاذل ومكرس للظلم وتعلمون حجم هذه التعبئة عندما يحول الناس العاديون إلى ألغام مفخخة في وجه من ينادي بالمشاركة وكم من ضحية سقطت على أرصفة الشتيمة والسب اليومي والاهانة. وهنا يأتي سؤال مهم: ماذا لو تمت المشاركة - وهذا ما نتمناه - من دون أن يتم تغيير مادة واحدة من الدستور؟ هل سيكون هناك انصاف لكل - وهم كثر - من رفعوا على أعواد المشانق ومن ألقيت الحجارة عليهم وصوروا للعامة من الناس بأنهم خانوا الشهداء على رغم عملهم المتواصل في خدمة الناس وتحقيقهم الإنجازات الكبيرة؟ سؤال مهم رقمي: كم فرصة عمل خسرها الناس طيلة ثلاث السنوات؟ طبعا بالآلاف وعندي الأرقام. كم ملف فساد تم تهريبه منه ملف التأمينات والتقاعد وعندي أوراقه؟ ملف الأوقاف، ألم نملأ الوادي ضجيجا؟ لماذا حدث صمت؟ ألا يستحق الإمام الحسين مواقف صاخبة؟ يوم أمس بعث لي شاب رسالة جارحة مفادها أني خنت دماء الشهداء لأني ادعو إلى المشاركة وان دعواتي لحل أي ملف هي دعوات للضحك على ذقون العامة. كلام جميل. له رأيه، ولكن - واعتذر إلى القراء عن الرد لأني طيلة كتاباتي لا احب أن ادخل الناس في ردود هنا أو هناك لأني مؤمن بالمفهوم الذي يدعو، إلى قول قل قولك وامش كما يقول جبران هذا الصوت الغريب سيتحول إلى اصوات ذات يوم - إذا كانت الدعوة إلى المشاركة يلازمها هذا الاتهام الاخير، فماذا سنقول للذين سيشاركون من المقاطعين في الانتخابات القادمة، منهم من اعتصم... منهم من تصلب وتشدد في كل شيء؟ هل سنقول للمقاطعين المشاركين الجدد ماحدا مما بدى؟ أقول لصاحب الرسالة: اين كنت عندما رحنا نضغط في ملف الأوقاف هل كان هو أيضا ضحكا على الذقون وانت تشهد ارتفاع اسعار الأراضي الوقفية التي كانت تؤجر بسعر التراب؟ ألم نقدم عدة نداءات عبر "اللجنة الشعبية للدفاع عن الوقف" لكل مآتم البحرين فاستجاب البعض والبعض "طنش"؟ صراع مع وزراء مع ملفات ضخمة لا داعي لذكرها، اين انت من كل ذلك؟ المزايدات هي التي ستقتل المجتمع. قبل أشهر طرحنا في الصحافة خبرا موثقا عن أرض ضخمة في سار تم تقطيعها إلى ما يقرب من 330 أرضا تصلح لأن تحول إلى وحدات سكنية وهي لأحد المتنفذين صرخنا في الصحافة وعندي الخرائط والملكية، و... و... هل اتصل احد يسأل عن الأرض؟ اين هم الثرثارون في المجالس؟ كل يوم في الصحافة نغامر بألف مغامرة ونسب ونشتم انا وغيري في الصحافة وغيرها... هل سأل أحد عن كل هذه الضغوط النفسية وغيرها؟ تعرض للمحاكمة قد يجرجرك القانون هذا عدى عن العداوات التي نحصدها من الذين تتعرض مصالحهم للخطر! هل يعرف أمثال هؤلاء حجم الاتصالات التي تصل إلى الصحافي من الناس؟ هذا مهمش وهذا مطرود من عمله وهذا معوق بلا رعاية وهذه قرية بلا إسعاف وهذا مركز صحي مهمل وهذا مواطن بلا عمل وعوائل بلا طعام في رمضان وهذا فقير يحتاج إلى علاج إلخ؟ ألا يحتاج ذلك إلى تعب وأعصاب ومتابعة وجهد؟ هناك من الناس لوقطعت نفسك قطعة قطعة وقدمتها إليهم على طبق من ذهب سيناقشك في أن القطع غير متساوية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1177 - الجمعة 25 نوفمبر 2005م الموافق 23 شوال 1426هـ