"بالإمكان عرض الهمج في المعارض أو تعليمهم تقليد التصرفات الأوروبية، أما البرابرة فلا يمكن عرضهم في المعارض أو تعليمهم، فهم خطرون، وغير قابلين للإنقاذ. البرابرة هم المشروع الليبرالي الذي انحرف، وقد تلقوا التعليم الخطأ، ولم يعد بالإمكان إعادة تعليمهم". سولتر هل ثمة ليبراليون جدد في البحرين؟ وما الظروف التي نشأت فيها الليبرالية الجديدة في البحرين؟ وما أبرز خطاباتهم السياسية؟ هذه الأسئلة في حقيقتها "أسئلة للضحك" أكثر منها للدراسة أو التحليل! مفهوم الليبرالية الجديدة لدى شاكر النابلسي أو الصديق العزيز كمال غبريال أو سيار الجميل أو حتى الغفيف الأخضر هو أبعد ما يكون عن الليبرالية الجديدة لدى بعض المتسمين بها هنا في البحرين. وعليه، فهم مرفوضون ممن أسس الليبرالية الجديدة في الوطن العربي، ومستهزأ بهم من قبل ليبراليي البحرين، فأين يذهبون؟! ممثلو الليبرالية الجديدة في البحرين هم مجموعة من الكتاب الذين يجتمعون يوميا لتبادل الفتاوى السياسية في مكاتب إحدى الصحف المحلية، هؤلاء ماذا يكتبون؟ هل يكتبون ما يكتبه النابلسي ورفاقه؟ هل ينظرون للإصلاح من الخارج عبر الدبابات الأميركية؟ وهل تتوافق مقالاتهم الفارغة مع الليبرالية الجديدة غربيا أو عربيا؟ أعتقد أن مجمل ما ينتجه هؤلاء هو التنظير الليبرالي المضحك لانتقاد التيار الديني، وأي حراك ديمقراطي في البحرين، هم لا يريدون أن يتظاهر أحد، أو أن يعتصم أحد، أو أن يطالب أي أحد بأي شيء البتة، فعن أي فكر ليبرالي يتحدث هؤلاء؟! يقول أحد الليبرليين الجدد في أحد المقالات الحماسية واصفا ما تلاقيه بعض أطياف اليبرالية الجديدة "تمت معهم ممارسة التخويف والترهيب بوصفهم "بالمتأمركين الجدد" الذين يقبضون من أميركا هم الليبراليون العرب الجدد الذين ما إن بدأوا بالكاد يتنفسون بالتعبير عن آرائهم حتى انهالت عليهم من كل زاوية وطريق السهام الطائشة". طبعا، أصابت النابلسي والعفيف الأخضر السهام، إذ إنهم طالبوا باقتلاع الحكومات العربية بالدبابات الأميركية، ولكن من صوب تجاهكم سهاما طائشة؟ ولماذا؟ كائنات طفيلية تقتات على ما يؤمرون أن يكتبوه من سباب وشتائم لأبناء هذه الأرض. السهام التي تصيبكم من أبناء هذه الأرض مقابلة منطقية لما تتقاضونه من مال! المنتسبون لليبرالية الجديدة في البحرين هم "مترفون حكوميون"، وأستذكر رأي رئيس جمعية "وعد" إبراهيم شريف في مقابلته مع الزميل حسين خلف حين رفض أن يقر بوجود ليبراليين جدد في البحرين، مستنكرا عليهم حتى ليبراليتهم! حتى حينما تتجه الحكومة بسلوك ديمقراطي في الاستجابة لما يريده الناس منها فإن الليبراليين البحرينيين الجدد لا يفهمون، بل هم على وتيرة واحدة "اضربوا الدين وأي مطالب بحقوقه تفلحوا...".
إلا الحماقة أعيت من يداويها...
البرابرة الجدد، أو الليبراليون الجدد في البحرين يفتقدون القدرة على الفهم والاستيعاب، هم أكثر خطورة من الهمج، فالهمجي نستطيع في مرحلة من المراحل، أن نصل معه إلى حلول وسطى، إلا أن "الليبرالي البحريني الجديد"، شخصية مغلقة العقل، ضيقة الاستيعاب، مصابة بالكثير من العلل العقلية الخطرة، فهو على رغم بساطة تكوينه السياسي والمعرفي مقتنع بأنه "المنقذ" الأخير، وأنه رجل المرحلة لإنقاذنا من انحطاطات عالمنا العالم العربي المصاب بتخمة من المشروعات الأيديولوجية الفاشلة. حاول "آينشتاين" المنظر المعرفي في الاجتماع الليبرالي الجديد الصباحي في أحد مقالاته أن يلعب لعبة غبية، وسعى لإقناع نفسه فقط، بأنه من المنطقي أن ينتقل شخصيا من الماركسية لأحضان الليبرالية الجديدة، معتقدا كما اعتقد ماركس أن الاقتصاد لا يحرك التاريخ وأن التاريخ هو من أفضى بنا للعولمة! استشهادات هذا الطفيلي المسكين هي مقولات "ماركس" و"لينين"، احتج المنظر الآينشتاني على فوكوياما، ولا أدري كيف له أن يخرج الليبرالية الجديدة من مخرج التاريخ بالمفهوم الماركسي! هذا أكبر دليل على أن الرجل ببساطة لا يعرف ما معنى ليبرالية جديدة في المطلق، فكيف له أن يوظفها في مقالاته؟ يكفي آينشتاين أن يقتنع أن مقالاته المضادة لكل ماهو ديني، واستهزاءه المتكرر بأبناء هذه الأرض هما الضمانة المقنعة التي تضمن له راتبه الشهري الباذخ، وأنه لا أفكاره، ولا شيوعيته، ولا علمانيته، تنفعه في شيء.
الليبرالية الجديدة غربيا
لا ترتبط الليبرالية الجديدة مجملا بالليبرالية الكلاسيكية، فالليبرالية الجديدة عبارة عن ذلك الشكل "الاقتصادي" العنيف لليبرالية، أو هي ذلك الانقلاب "الغريب" من الليبراليين الذين رفضوا مسبقا توحش الشيوعية وتنبؤاتها الحاسمة لمسيرة التاريخ، فأخذتهم الأيام لتأسس أدبياتهم وخطاباتهم توليتارية مقابلة وهم لا يدركون! لا يوجد جامع معرفي بين الليبرالية الجديدة في الغرب ذات الطابع "الاقتصادي"، وبين الليبرالية الجديدة في الشرق ذات التخريجة "السياسية" المعيبة. يعتبر آدم سميث وديفيد ريكاردو المنظرين الرئيسيين لليبرالية الجديدة، ويعتبر كتاب "ثروة الأمم" لآدم سميث أول كتاب يدرس في علم الاقتصاد بما يحتوي ترويجا مباشرا لهذا المفهوم الجديد. ظهرت الأفكار في بريطانيا وراجت فيما بعد في الولايات المتحدة، وهي اليوم تصل سواحل البحرين، ويروجها في العادة كتاب صحافة "فارغين" من المعرفة، ومتملقو "سياسة" في الوقت نفسه. الغريب، ان الليبرالية الاقتصادية هي ذلك "المجهول، المسكوت عنه" في مجمل الخطاب الليبرالي البحريني الجديد. الليبرالية الجديدة غربيا تحكمها السوق، والسوق حكم الأقوياء وتكتلاتهم القاهرة، وكما يقول سميث، فإن السوق تدار وتتحرك عبر "يد خفية". وهي ليست بحاجة إلى أي تدخل من أحد. مؤسسات السوق الأميركية والأوروبية تقوم بتلميع نتائج السوق الكارثية عبر دعمها للمجتمعات الغربية والإنسان الغربي، يتمثل هذا في مجمل ما تنفقه الإمبراطوريات المالية من ضرائب أدبية أو إجبارية يسهر عليها اليسار السياسي - السلطة الخامسة - كأقل الاستحقاقات التي يحاول الذب عنها، لكن العادة العربية تفترض علينا "مع تدني مساهمات الإمبراطوريات المالية العربية في التنمية المدنية" أن نتوقع حالا من اللانظام في التقدير المتفائل للمجتمع الليبرالي الجديد، وحالا من الدمار والتشرد للإنسان العربي في التوقعات الأكثر واقعية، وخصوصا إذا كان منظرو ليبراليتنا من وزن هؤلاء. تذهب الليبرالية إلى تعريف المجتمع باعتباره "مجموعة من الأفراد يسعى كل واحد منهم لتحقيق مصالحه واحتياجاته". ويطلق على هذا الرأي المذهب "الذري"، إذ ينظر للأفراد كـ "ذرات متنافرة" في داخل المجتمع. هذا يتطلب الإقرار بعدمية المجتمع ونهايته، خلاف ما تركز أبجديات البرابرة الجدد في الدعوة والترويج لما يسمى "الأسرة الواحدة"، "المجتمع الواحد". لابد من الترويج لما يسمى بالفردية الملكية، فالفرد هو المالك، ويمتلك نفسه، وقدراته الخاصة به، وهو لا يدين بها للمجتمع. وعلى رغم جميع التجاذبات التي نالت مفهوم الفرد والمجتمع والعلاقة بينهما، فلقد اجتمع الليبراليون العقلاء قاطبة على الرغبة في خلق مجتمع يكون فيه كل فرد ذا قيمة خاصة، والليبراليون الجدد في البحرين أبعد ما يكونون عن هذه القيم. لابد لمروجي الليبرالية الجديدة في شكلها البحريني المشوه أن يتنبهوا إلى أن الحرية الفردية التي تعنيها الليبرالية لها مسئوليتها، وأن الحرية الفردية هي ما اجتمعت عليه الليبرالية بجميع مفكريها وفلاسفتها وساستها على أنها الخيار الوحيد للإنتاج والإبداع، وهكذا يصرح جون ستيوارت بـ "أن المبرر الوحيد لممارسة القوة بشكل صحيح تجاه أي عضو في المجتمع المتحضر والتي تكون ضد إرادته هو منع الضرر عن الآخرين"، بمعنى أن كبت الحريات العامة في المفهوم الليبرالي، وأي ممارسة مخالفة كالتدخل في ملابس الفرد واعتبارها دليل جهل وعمى كما فعل آينشتاين في إحدى خربشاته هو بالتحديد "تخريف"، لا علاقة له بالفكر الليبرالي من هنا أو هناك. كذلك هو أدب "الحرية"، فإن كان الليبراليون الكلاسيكيون يؤمنون بأن الحرية هي قدرة الشخص على التصرف بالشكل الذي يختاره، فإن أحدث المفاهيم الليبرالية للحرية الإيجابية هي قدرة الأفراد على التطور. أما ما تذهب إليه الليبرالية البحرينية الجديدة هو أشبه بالقمع للحريات ومصادرة حقوق الأفراد بدواعي التخلف والجهل والتأخر السياسي والثقافي. الحرية هي العقل، والعقل هو صورة تنويرية، ورؤية التنوير هي تحرير البشرية من قيود "الخرافة والجهل" وإطلاق العنان لعصر العقل، أما لدى ليبراليتنا البحرينية فالتنوير في خطابها الإعلامي مصاب بالعقد، العقدة من كل شيء ديني، أو العقدة من الحجاب، أو العمامة، أو حتى العقدة الجغرافية والقومية، خطاب التنوير أضحى في الخليج مبتورا ومهلهلا، بل أصبح ذا دلالة معاكسة لكل ما هو حسن. وعلى رغم أن مقالات الليبراليين الجدد في هذه الأيام مليئة بالتنوير والدعوة إلى التنوير فإني على ثقة انهم لم يقرأوا يوما ما ما يعرفهم معنى التنوير!!
لابد من العدالة...
لابد من تحقيق العدالة في المجتمع الليبرالي، والعدالة هي إعطاء كل فرد ما يستحق. والعدالة الاجتماعية تذهب إلى توزيع المنافع المادية في المجتمع مثل الأجور والأرباح، والتوفير المتوزان العادل لكل الاحتياجات الطبيعية للإنسان كالعمل والغذاء والرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي. الليبرالية تقتضي المساواة في الفرص، أي أن كل فرد لديه الفرصة في الصعود الاجتماعي وتحسين وضعه بجهده وعمله الدؤوب. والملاحظ أن الليبراليين الجدد في البحرين هم أكثر من يستفيد من نقض المساواة في الفرص، فهم في الغالب قليلو الخبرة، وبسطاء الاطلاع ومحدودو الثقافة، إلا أنهم ينالون الكراسي الجديدة والمناصب الرفيعة بشكل يجعل حديثهم عن تساوي الفرص، أو أنهم ليبراليون، مدعاة للضحك والسخرية! تتسم أخلاقيات الليبرالية الاجتماعية بقبول التنوع الأخلاقي والثقافي والسياسي. فقد ردد الليبراليون كثيرا المقولة الشهيرة لفولتير: "أنا أك
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1177 - الجمعة 25 نوفمبر 2005م الموافق 23 شوال 1426هـ