العدد 1177 - الجمعة 25 نوفمبر 2005م الموافق 23 شوال 1426هـ

دمشق والملفات الأميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تتجه العلاقات السورية - الدولية نحو التصادم أم ان مجال التفاوض لم يفقد فرصته؟ هناك احتمالات مفتوحة على أكثر من صعيد وهي في معظمها ترتبط بالقرار الدولي ومدى استعداد الولايات المتحدة "وحليفها الاستراتيجي" على خوض مغامرة جديدة تدفع المنطقة نحو فوضى إقليمية. الرئيس السوري في خطابه الأخير أعلن استعداد دمشق للتفاوض وبحث كل الملفات علنا ومن دون تحفظ واشترط أن يكون التفاوض قائما على أسس واضحة، وإلا تكون الدول الكبرى وضعت سورية أمام خيار المواجهة. فالرئيس بشار الأسد أكد أن دمشق قالت ما تريده، وإذا كان هناك من رأي آخر فهي على استعداد لسماعه. وتحت هذا السقف العام فتح المجال للتفاوض العلني وكذلك لم يغلق الباب أمام احتمال المواجهة التي لا تريدها دمشق، ولكنها لا تستطيع التهرب منها إذا فرضت عليها. المسألة واضحة من الجانب السوري، ولكن المشكلة تكمن في غموض الموقف الأميركي. السؤال فعلا "ماذا تريد الولايات المتحدة من دمشق؟" البحث عن الحقيقة وتحديد الطرف المسئول عن جريمة اغتيال الحريري أم مجموعة تنازلات سورية داخلية وإقليمية تمس أمنها الوطني. الأجوبة الأميركية متعارضة في الشكل والجوهر. فهذا المسئول يقول إنه يريد تغيير خريطة "الشرق الأوسط" وإعادة هيكلة دولها. وذاك يقول إن أميركا تريد تغيير النظام سلما، وذاك لا يستبعد احتمال التغيير عن طريق القوة. وهناك أيضا من يريد تغيير السياسات لا النظام. وأيضا هناك من يريد تغيير السياسات والنظام معا. كل هذه الأقوال تصدر من مكان واحد، إدارة "البيت الأبيض". والسؤال ماذا يريد رئيس "البيت" وعلى ماذا يراهن جورج بوش؟ الجانب الأميركي لم يحدد الهدف حتى الآن من وراء سعيه الدولي لمعرفة الطرف الذي خطط أو شجع أو نفذ جريمة الاغتيال. فهل الهدف معرفة الحقيقة أم استغلال ظروف الاغتيال لنسج مصيدة توقع سورية في الفخ وتضيع مع الفوضى خيوط الجريمة. المطالب من سورية كثيرة وهي لا تقتصر على ملف وانما تشمل "ملفات أميركية" بعضها مفتعل، وبعضها مبالغ فيه دور سورية، وبعضها يمكنها التفاوض بشأنه إذا كانت هناك نية سليمة في التعامل مع تفصيلات لا تهدد السيادة والأمن. وفي المجموع العام الملفات المطلوب التجاوب بشأنها كثيرة ولا تستطيع دمشق التعامل معها دفعة واحدة. أمام هذه "المروحة" من الملفات الشائكة لابد أن توضح واشنطن مطالبها أو برنامج عملها. والبرنامج يقتضي وضع خطة زمنية للأولويات. فما هي تلك الأولويات، وكيف يمكن التعامل مع الخطوات خطوة بعد خطوة؟ مثلا إذا كانت واشنطن تبحث عن الحقيقة كما ينص القرار 1636 فلماذا إذا تضع على سوية واحدة سلسلة ملفات لا تتصل بجريمة الاغتيال؟ وأيضا إذا كان "البيت الأبيض" يغلب الملف العراقي على الأخرى فلماذا يلجأ إلى طرح سلسلة ملفات في وقت واحد ويريد أن يضع لها الحلول دفعة واحدة؟ وإذا كان بوش يميل إلى تغليب الملف اللبناني أو الفلسطيني فلماذا إذا يحشر العراق أو مسألة الاغتيال ضمن أوراق هذا الملف أو ذاك؟ الموضوع يكتنفه الغموض. وسبب عدم وضوح الرؤية يتحمل مسئوليته الجانب الأميركي الذي يستغل 1636 للنفاذ منه وتوظيفه في مجالات أخرى لا تتصل بتلك المهمات التي حددها مجلس الأمن بشأن كشف الحقيقة. مجالات التفاوض مفتوحة، ولكن الفرصة الزمنية الموضوعة لحل مختلف الملفات قصيرة جدا وخصوصا أن هناك قضايا مضت عليها قرابة نصف أو ثلث أو ربع قرن. فالمنطق يقول إن هناك شبه استحالة في حل مشكلات مزمنة ومصيرية في أقل من شهرين. كذلك منطق الأمور يدفع فعلا نحو طرح أسئلة تتعلق بالأهداف الحقيقية من وراء الضغوط الأميركية واستعجال بحث القضايا وحلها في أسابيع. مسألة الوقت مهمة وخلط الولايات المتحدة الأوراق وبعثرتها كلها في سياق واحد وتحت سقف القرار 1636 يثير علامات استفهام تعزز فرضيه وجود خطط سياسية أخرى تتجاوز حدود التفاوض... وتقفز باتجاه المواجهة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1177 - الجمعة 25 نوفمبر 2005م الموافق 23 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً