في مصر، انتهت المرحلة الثانية من الانتخابات النيابية بأعمال عنف و"شغب"، وقعت بين أنصار الحزب الحاكم منذ ألف عام، وأنصار "الاخوان المسلمين" المحرومين من الاعتراف بالشرعية منذ مئة عام! المعارك التي دارت بين أنصار الطرفين، استخدمت فيها السكاكين والعصي، بل تدخل رجال مسلحون بالسيوف للتأثير في اختيارات الناخبين. بل كانت هناك جماعة بلطجية وقفوا على بعض الطرق لمنع وصول الناخبين والمحامين ويهددون بحرق الزوارق التي تقلهم إلى مراكز الاقتراع. بل ان "البلطجية" قتلوا سائق المرشح المنشق عن الحزب الوطني الحاكم بعد تعرضه للضرب العنيف. وبينما طعن أحد مرشحي الاخوان في رقبته، أردي الآخر قتيلا بإطلاق نار. كل ذلك لم يسفر عن غير 20 في المئة للمعارضة من مقاعد البرلمان المقدس. تونس، التي استضافت مؤتمر المعلوماتية العالمي قبل تسعة أيام، حصلت على فرصة ذهبية للحصول على صورة زاهية لوضع حقوق الانسان فيها، و"لتثبت بوضوح لا لبس فيه، أو تترك شكا لدى أحد، التزامها بحرية الصحافة وحرية التعبير" كما قال مسئول في الخارجية الأميركية، باعتبار ذلك ردا على ما طرحه عدد من أفراد المجتمع المدني أضربوا عن الطعام للمطالبة بإطلاق نحو 500 سجين سياسي بينهم صحافيون يقبعون في السجون التونسية. لكن الحزب الحاكم منذ ألف عام، أبى إلا أن يثبت الصورة السائدة عن السجل السيئ في مجال الصحافة وحرية التعبير على حد قول الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" روبير مينار. مينار شكك أيضا في صدقية القمة العالمية لعقدها في بلد يمارس رقابة كاملة ومشددة على وسائل الإعلام، ويفرض قيودا صارمة على وصول المواطنين إلى وسائل الإعلام بما فيها الإلكترونية. وردت تونس بمنعه من دخول أراضيها للمشاركة في القمة! منظمة "مراسلون بلا حدود" التي تعنى بحرية التعبير ومقرها باريس، ما فتئت تندد بالخروقات التي ترتكبها السلطات التونسية منذ سنوات في مجال الإعلام، ومع ذلك استطاع خمسة من أعضائها المشاركة في أعمال القمة، ولفتوا الأنظار بعرض خريطة كبيرة للعالم وضعوا فيها اللون الأسود على 15 بلدا سموها بـ "أعداء الإنترنت" أو نقاط الإنترنت السوداء وفي مقدمتهم تونس، مضيفة قمة المعلومات! وإلى الشرق، بدأت "اللجان الشعبية" مؤتمراتها في ليبيا لمناقشة 27 ملفا، "لتحديد السياسة الداخلية والخارجية، كما قيل. المؤتمرات المستوحاة فكرتها من "الكتاب الأخضر" "النظرية العالمية الثالثة كما قيل أيضا"، شهدت هذا العام تخصيص أكثر من 2935 تجمعا للذكور والإناث ممن بلغوا سن الرشد، في جميع أنحاء ليبيا لتكون أمامهم فترة زمنية كافية لمناقشة سياسات المستقبل كما قيل! ويقال أيضا ان قرارا من المتوقع اتخاذه بشأن عدم إعدام الممرضات البلغاريات. الجديد هذا العام أن قرارا صدر في اليوم الأول للمؤتمر بمشاركة قوات الأمن والشرطة الليبية في هذه المؤتمرات الشعبية. المواطن العربي الذي يتابع ما يجري في عالمه العربي التعيس، لا يدري من يتخذ القرار... هل يوحى به كما أوحي بالكتاب الأخضر... أم ينبع من المؤتمرات الشعبية؟ العالم الذي يراقبنا كما يراقب حدائق الحيوانات المدهشة، هل يمكن أن يستوعب ديمقراطية تقوم على الطعن بالسكاكين، أو مشاركة الشرطة والمخابرات في الانتخابات، أو ملاحقة و"إغلاق" مواقع الانترنت هنا وهناك، وزيادة الخناق على كل صوت لا تحبه الأحزاب والعوائل الحاكمة منذ ألف عام؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1176 - الخميس 24 نوفمبر 2005م الموافق 22 شوال 1426هـ