أكد تقرير مركز حقوقي في الأراضي الفلسطينية أن القضاء العسكري الإسرائيلي يستخدم لإعطاء الغطاء القانوني لاقتراف جرائم بحق الفلسطينيين، في اشارة إلى تبرئة محكمة عسكرية لجندي اسرائيلي قتل طفلة فلسطينية في مدينة رفح جنوبي القطاع. وأشار المركز الفلسطيني لحقوق الانسان إلى أن المحكمة العسكرية في قيادة المنطقة الجنوبية برأت الضابط المتهم بقتل الطفلة الفلسطينية إيمان الهمص، وأسقطت عنه تهماً بالقتل والاستخدام غير المشروع للسلاح، وتعطيل العدالة بعد أن طلب من جنوده تغيير إفاداتهم المقدمة للتحقيق العسكري. والطفلة إيمان سمير الهمص (13 عاماً) من مدينة رفح، لقيت مصرعها يوم 5 أكتوبر/ تشرين الأول ،2004 بعد أن أطلق عليها الجنود النار وهي تحمل حقيبتها المدرسية. وثارت القضية حينها، على خلفية اعتراف أحد جنود الوحدة العسكرية بأن قائد السرية نفذ عملية «تأكيد القتل» وأفرغ أكثر من عشرين رصاصة في جسد الطفلة من مسافة قريبة، بعد إصابتها وسقوطها على الأرض. وعليه أعلن المدعي العام العسكري عن فتح التحقيق في القضية، وقبل رئيس الأركان موشيه يعلون، رواية الضابط، الذي ادعى أن إطلاق النار على الطفلة تزامن مع إطلاق مسلحين فلسطينيين النار على الموقع العسكري. وفي أعقاب نشر الصحف الإسرائيلية تفاصيل أكثر عن القضية، اعتقل الضابط بتهمة التورط بالإدلاء بشهادات كاذبة، وقدمت النيابة العسكرية لائحة اتهام ضده، ومددت المحكمة العسكرية فترة اعتقاله لمدة شهرين في معسكر مفتوح. ونشرت وسائل الإعلام شريطاً مسجلاً، يوضح كيف كان يقترب من الطفلة الملقاة على الأرض ويفرغ رصاصاته في جسدها. وفي جلسة 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وجهت للضابط تهمة الاستخدام غير القانوني للسلاح، وأفرجت المحكمة العسكرية عنه بتاريخ 6 فبراير / شباط 2005 بعد تراجع شاهد الإثبات وجنود آخرين عن شهاداتهم برؤيته يطلق النار عليها، وادعى أنه كذب في التحقيق هو وجنود آخرون بهدف إبعاد ضابط الوحدة عن وحدتهم. وأكد المركز الحقوقي أن قرار المحكمة يقدم دليلاً آخر على انعدام العدالة في النظام القضائي الإسرائيلي، خصوصاً العسكري، إذ تجرى التحقيقات في هذه الحالات من قبل الجيش، وتحال إلى القضاء العسكري، ما يفقد هذه التحقيقات والقرارات صدقيتها. ومنذ اندلاع الانتفاضة قتل 2908 فلسطينيين على أيدي الاحتلال، بينهم 651 طفلاً، وعلى رغم مئات الشكاوى من المنظمات الحقوقية نيابة عن الضحايا، إلى المحاكم الإسرائيلية، إلا أنه يتم تجاهلها، ولا يتم التحقيق النزيه والجدي سوى في بعض منها. وأوردت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية (بيتسيلم) إحصائية توضح أن من بين آلاف الضحايا الذين سقطوا منذ بدء الانتفاضة حتى منتصف ،2005 فتحت الشرطة العسكرية تحقيقاً في 108 حالات تتعلق بقتل وإصابة فلسطينيين في الأراضي المحتلة، وتمّ توجيه لوائح اتهام في 19 حالة منها، وفي حالتين فقط تم إدانة جنود بقتل فلسطينيين، ومن الأمثلة البارزة على عدم جدية التحقيق في مقتل وإصابة المدنيين، قرار القاضي العسكري في أبريل/ نيسان 2005 بإسقاط التهم عن الجندي الإسرائيلي المتهم بقتل الصحافي البريطاني جيمس ميللر، بسبب ما وصفه بنقص في الأدلة التي تربطه مباشرة بجريمة القتل. وكان ميللر لقي مصرعه في رفح في مايو/ أيار ،2003 جراء إطلاق الاحتلال النار عليه أثناء قيامه بعمله. وسبق ذلك تبرئة الجندي الإسرائيلي في العام 2003 المتهم بقتل الناشطة الأميركية راشيل كوري، التي سحقتها جرافة إسرائيلية في رفح في مارس/آذار ،2003 أثناء تصديها لعمليات تجريف وهدم منازل فلسطينية، وتوصلت نتيجة التحقيق في حينه إلى أن كوري قتلت بينما كانت تحاول تسلق الجرافة. وخلص التقرير إلى أن وفاتها ليست نتيجة عمل مباشر للجرافة وليست بسبب سحقها لكنها نجمت عن كتلة ترابية دفعتها الجرافة، ولذلك... ليس هنالك أسباب لاتخاذ تدبير تأديبي بحق الجنود المتورطين، هذه القرارات تعطي مؤشراً واضحاً على الحصانة التي يحظى بها جنود الاحتلال، وتشجعهم على اقتراف المزيد من جرائم الحرب بحق المدنيين وممتلكاتهم، وتعطيهم حرية التصرف دون عقاب، وكانت آخرها بتاريخ 3 نوفمبر / تشرين الثاني الجاري في جنين، بإطلاق الجنود النار على الطفل أحمد الخطيب (11 عاماً)، بينما كان يلهو مع أقرانه في أول أيام عيد الفطر، وتوفي بعد ثلاثة أيام في مستشفى إسرائيلي جراء إصابته برصاصتين في رأسه، وثالثة في بطنه. وادعت مصادر في قوات الاحتلال أنه قُتل نتيجة حمله بندقية بلاستيكية بدت للجنود كأنها بندقية حقيقية، الأمر الذي نفاه والد الطفل. ولم ترد معلومات عن قيام الاحتلال بفتح تحقيق جدي ونزيه في ظروف مقتل الطفل. يذكر أن أقسى حكم صدر بحق جنود إسرائيليين أدينوا بقتل مدنيين خلال الانتفاضة، (وهي من الأحكام النادرة) ذلك المتعلق بحق الجندي الذي قتل الناشط البريطاني توماس هورندال في أبريل ،2003 في رفح، إذ أصدرت المحكمة العسكرية في أغسطس/ آب 2005 حكماً بسجنه 8 سنوات.
الاحتلال الإسرائيلي والتمييز الدولي
محمد حسين فضل الله* في المشهد الإسرائيلي الفلسطيني تواصل الولايات المتحدة دعمها المطلق لـ «إسرائيل»، فقد ضغطت على الفلسطينيين لتسهيل مسألة معبر رفح وفق الشروط الإسرائيلية، بما يعتبر إسقاطاً جديداً للسيادة الفلسطينية، ويؤكد أن غزة لاتزال سجناً كبيراً لأهلها. وإذا كانت وزيرة الخارجية الأميركية تحدثت بطريقة خجولة عن سياسة الاستيطان، فلتظهر بمظهر التوازن في معرض إلقائها اللوم على الفلسطينيين، ودعوتها لتفكيك فصائل الانتفاضة بحجة أنها «إرهابية». وإننا نتساءل: إذا كانت أميركا تحافظ على احترام حقوق الإنسان، فلماذا لم تبادر الى دعوة «إسرائيل» للانسحاب من الأراضي المحتلة بشكل كامل لإنهاء المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية، بدلاً من تقطيع أوصال الأوضاع القلقة في قضية هنا وقضية هناك، لتغييب المسألة الاستراتيجية الكلية في دوائر الجزئيات الصغيرة؟ ومن جهة أخرى فإن «إسرائيل» تتابع سياسة الاغتيالات اليومية للمجاهدين، والاعتقالات المتحركة، والاجتياحات المنظمة للقرى والمخيمات، ما قد يؤدي الى إشعال نار الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى في بؤرة انفجارات كارثية، كما يقول بعض المحللين الغربيين الذي يؤكد أن أميركا «أساءت تقدير الأمور في حمايتها المطلقة لإسرائيل». ومن جانب آخر، نجد أن تونس فتحت أبوابها لوزير خارجية العدو لحضور قمة المعلوماتية ليطالبها بالاستعجال في ترتيب العلاقة الدبلوماسية، وعدم انتظار الحل النهائي لفلسطين، كجزء من سحق مواقع الممانعة العربية والمقاومة التحريرية للأمة لحساب «إسرائيل»، في الوقت الذي لا نسمع فيه دولة عربية تطالب «إسرائيل» بحل المشكلة الفلسطينية حلاً قائماً على منح الشعب الفلسطيني حقوقه الشرعية في أرضه، وإزالة المستوطنات والجدار العنصري، وعودة اللاجئين الى بلادهم، لأن المشكلة هي أن الدول العربية بدأت التطبيع مع العدو أكثر من التطبيع مع الشعب الفلسطيني، وفي هذا الجو، بدأت الولايات المتحدة في تخطيط مشروعها للشرق الأوسط الكبير، لإدراج «إسرائيل» في «مساعي بناء الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة»، وستغدو جزءا من الحوار الإقليمي الذي تريده أميركا وخصوصاً في العالم العربي، وهذا ما أبلغته وزيرة خارجية أميركا لأكثر من زعيم عربي. ومعنى ذلك أن العدو سيتدخل في القضايا الداخلية الحساسة في المنطقة تحت تأثير الضغط الأميركي الذي يعمل على إدخال «إسرائيل» كعنصر مؤثر في كل القضايا العربية، باعتبارها الدولة التي ستعلم العرب الحقوق الإنسانية والديمقراطية والمساواة، وهذا هو قمة التطبيع الشامل على جميع المستويات. فأية ديمقراطية تمثلها «إسرائيل» بعيداً عن اليهود أمام التمييز العنصري ضد العرب والفلسطينيين التابعين لدولتها، وأي حقوق للإنسان هي ما يتمثل في مصادرتها لحقوق الفلسطينيين في أراضيهم، وتدمير البنية التحتية للواقع الحياتي للشعب الفلسطيني، وجرائمها الوحشية ضد المدنيين، واستخدامها للأسلحة الأميركية المتطورة التي لا تستخدم إلا في الحروب الكبرى؟ ولكن ربما كانت المسألة لدى أميركا هي السلوك السياسي والأمني الذي تلتقي فيه العنصرية الإسرائيلية بالعنصرية الأميركية، وعلى العالم العربي والإسلامي الذي قد تنطلي عليه هذه الخدعة أن ينتبه الى مستقبل شعوبه أمام الاجتياح العدواني الإسرائيلي، كما الأميركي لكل مقدراته وقضاياه الحيوية المصيرية. ويبقى العراق في قلب الدوامة الأمنية، والفوضى الاقتصادية، بين احتلال يتخبط في حركته وإدارته في متاهات أوضاعه، في خطته التي يحاول فيها المحافظة على مصالحه الاستكبارية والاستغلالية والاستثمارية لحساب شركاته الاحتكارية التي يشرف عليها رجال إدارته الذين يعملون على سرقة موارده، وبين القوى التكفيرية التي تتابع قتل المدنيين الأبرياء، بحيث أصبح إرهابها الوحشي يوميا من خلال الحقد المذهبي الذي يستحل دماء المسلمين حتى الأطفال منهم من دون أن نسمع صوتاً صريحاً واضحاً من العلماء المسلمين في العالم الإسلامي، على أساس الخلط الغبي بين الإرهاب التكفيري والمقاومة الحرة. إننا نتمنى للشعب العراقي الذي عاش المعاناة الصعبة من نظامه الطاغي، ومن احتلاله الوحشي، أن يأخذ بأسباب الوحدة والقوة والوعي من أجل صنع مستقبل الاستقرار والنظام المتوازن، ونريد للدول العربية والإسلامية أن ترحم هذا الشعب، وتساعده على حل مشكلاته الصعبة على أساس الأخوة العربية والإسلامية. أما لبنان، فإننا نريد لـه المزيد من الاستقرار على مستوى الحركة السياسية المنفتحة على صناعة المستقبل المتحرك على قاعدة الحوار وخطوط الوحدة الوطنية، بعيداً عن الاهتزازات الطائفية، والأجواء الانفعالية، في عملية وعي عميق ونظرة شاملة للمرحلة الصعبة التي تواجهها المنطقة بفعل السياسة الدولية، ولاسيما الأميركية الضاغطة في تنوعاتها السياسية والأمنية، وخصوصاً في القرارات الدولية وفي التحقيقات الواسعة لج
العدد 1175 - الأربعاء 23 نوفمبر 2005م الموافق 21 شوال 1426هـ