العدد 1175 - الأربعاء 23 نوفمبر 2005م الموافق 21 شوال 1426هـ

مشهد تكريت

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مشهد التدافع في حفل التسلم والتسليم الذي جرى في مدينة تكريت يختصر الكثير من الكلام لتوضيح صورة الموقف في العراق. المشهد يحمل دلالات رمزية تعطي فكرة عامة عن الكارثة التي حلت ببلاد الرافدين بعد الاحتلال. تكريت أولاً مسقط رأس رئيس النظام السابق. وهي ثانياً المدينة الأخيرة التي دخلتها قوات الاحتلال عقب الاجتياح. وثالثاً كان الحفل يريد توجيه إشارات للمراقبين بأن حال العراق أخذ يستقر أمنياً والدليل بدء مراسم تسلم وتسليم أحد قصور صدام لأعيان المدينة ومجلس إدارتها. انقلب المشهد رأساً على عقب بمجرد سماع المدعوين ومن بينهم السفير الأميركي (زلماي خليل زاد) وقائد قوات الاحتلال (جورج كايسي) صوت قذيفة تنفجر عن بعد من الحفل. المشهد يختصر الكثير من الكلام وهو يدل على حال الإرباك والارتباك والخوف من المجهول والبيئة التي تحيط بالاحتلال. صوت قذيفة انفجرت بعيداً عن الحفل كان كافياً لعكس صورة المشهد. فالصوت أرعب السفير وقائد الاحتلال وبث حالات هلع واضطراب فتدافعت الكراسي البلاستيكية وانبطح الجنود والرجال على الأرض وفوق بعضهم. هذا يبحث عن كرسي وذاك عن جندي خوفاً من دوي قذيفة. مشهد التدافع بين المدعوين إلى حفل التسلم والتسليم أعطى إشارات تخالف الهدف من المناسبة. فالاحتلال كان يريد توجيه رسالة بأن الأمن استتب، والاستقرار بدأ ينتشر... وها هما السفير وقائد القوات الأميركية يتوجهان إلى مسقط رأس صدام لتسليم أحد قصوره لأعيان المدينة. التدافع قلب المشهد وانعكست الصورة لتوجه رسالة مضادة وهي أن الأمن لم يستتب والفوضى لاتزال منتشرة حتى في ذاك المكان الآمن. تدافع الحفل وانقلاب الكراسي وانبطاح الرجال أرضاً وفوق بعضهم وحال الرعب الذي أصاب قوات المارينز لفترة وجيزة... كلها دلالات على أن الوقائع الميدانية تخالف ذاك الكلام الذي تنقله محطات التلفزة والفضائيات. فالعراق ليس مستقراً والفوضى ليست «بناءة» على الاطلاق. اختصر مشهد التدافع في تكريت كل تلك الصور الموجعة التي نراها يومياً. فالحال ليست على ما يرام والكل يخاف من الكل والثقة معدومة والأمن غير موجود حتى بوجود السفير الأميركي وقائد قوات الاحتلال. المشهد الكاريكاتوري الساخر يكثف الكثير من اللقطات السياسية المضطربة التي تصدر يومياً عن «البيت الأبيض» أو مبنى «البنتاغون». فاللقطات لا تقل اضطراباً عن مشهد تداعي حفل التسلم والتسليم في تكريت. وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ينفي مثلاً صحة الأنباء التي تحدثت عن وجود خطة عسكرية للانسحاب الأميركي من العراق في العام المقبل. وفي اليوم التالي لا تستبعد وزيرة الخارجية كوندليزا رايس مثل هذا الاحتمال. فالخطة برأيها موجودة وتنفيذها يستدعي ترتيبات أمنية تتصل بمدى قدرة القوات العراقية على تحمل مسئوليات بلاد الرافدين بعد انسحاب الاحتلال. حال التعارض بين نفي وزير الدفاع وعدم استبعاد وزيرة الخارجية يشبه كثيراً ذاك الاضطراب النفسي والفزع الأمني الذي انقض على المدعوين إلى الحفل في مشهد التسلم والتسليم. فالمشهد انقلب وأعطى صورة معاكسة عن الفكرة التي أراد الاحتلال إرسالها عبر شاشات التلفزة. كذلك انقلاب المشهد السياسي بين وزير ينفي ووزيرة لا تستبعد الانسحاب يعطي صورة عن ذاك الاضطراب الذي أخذ يمتد ويتشعب من تكريت إلى واشنطن. هذا غيض من فيض، والفيلم لايزال في بدايات صوره ومشاهده.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1175 - الأربعاء 23 نوفمبر 2005م الموافق 21 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً