العدد 1174 - الثلثاء 22 نوفمبر 2005م الموافق 20 شوال 1426هـ

لغز «مفارقات» للفهم ليس إلا...

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

«المفارقة تقال على قضية تبدو متناقضة ومع ذلك يمكن أن تعبّر عن حقيقة ما». (المفكر مراد وهبة) حاولت أن أفهم لغز مفارقات غريبة لحكايات حكاها «أبطالها» بعفوية طبيعية وكأن ما جرى «أمر طبيعي» يحدث في أحسن العائلات، لكن الأمر يختلف بخيط رفيع في حالات الربط بين «حادثة سير طبيعية»، ومحاولات اغتيال تستهدف ناشطين سياسيين بدرجات متفاوتة من الأهمية التي تستدعي اغتيالهم أو تصفيتهم. هكذا بكل بساطة لمخفيين يرصدون ويخططون في غرف مملوءة بالدخان لقتل بشر يختلفون معهم في الرأي، أو لمصلحة معينة لا «ترغب ببعوضة»، ربما تزعج آذانهم «الموسيقية». حوادث من هذا النوع وقعت في البحرين في السبعينات والثمانينات، وربما في التسعينات، وكادت أن تدفن مع الذاكرة الوطنية، أو دفنت لأنها سجلت «ضد مجهول»، غير أن التناقضات التي تزامنت مع هذه القضايا احتاجت إلى وقفة تأمل وتمعن وتفكيك ما يمكن تفكيكه من تناقضات: في السبعينات تعرض النقابي العمالي عباس عواجي لحادث اصطدام مروري «طبيعي»، كاد أن يفقده حياته، وبعد نقله إلى المستشفى لعلاجه غير المكتمل بعدها تم اعتقاله بتهم سياسية. وفي المعتقل قام سلمان كمال الدين الذي يسمونه «حلاق المساجين» باستخراج زجاج من رأسه حين تحسس وجود انتفاخ غريب منتشر حول جمجمته. عواجي تعرف على السيارتين اللتين دهستا سيارته، وعرف فيما بعد أنهما مخصصتان لمراقبته، غير أن قضيته «سجلت ضد مجهول» لأن المرور كان «نائماً» آنذاك، أو ربما كان مخدراً بحقنة «قانون أمن الدولة» حامي حماة الوطن والمواطنين. هذه واحدة، أما الثانية فحدثت في العام ،1988 إذ تعرض فيها شابان، أحدهما فقد حياته، وهو جاسم أحمد المطوع، والثاني «عيسى»، فقد وعيه لمدة ثلاثة شهور، ثم فاق واقتيد على الفور إلى المعتقل وعرف هناك أن صديقه فارق الحياة في الحال وجن جنونه، بسبب الحادث «الطبيعي جداً»، وبسبب التعذيب الذي تعرض له. عيسى أفرج عنه، ثم تتالت الاعتقالات حتى حوادث التسعينات، وقضيته طبعاً «سجلت ضد مجهول»، فلا السيارة الخلفية التي صدمتهما عرف صاحبها، ولا السيارة الأمامية، التي صدمها، ولا السيارة الثالثة «أم الكماشة» معروفة في حادث أدى إلى وفاة مواطن. ثالثة تعرض لها أحمد سند البنكي، وهو نقابي عمالي أيضاً، لكن هذه المرة ليس بطريقة الدهس» بل الخطف والضرب المبرح، ثم إلقائه بين الحياة والموت أمام بيته، وبعد أن عولج تم اعتقاله، وما السر في ذلك، من الذي اختطفه؟ لا أحد يعرف، ومن الذي ضربه؟ أيضاً لا أحد يعرف... من يعرف منكم فليدل قوى الأمن، على رغم أن حادث الاعتداء تقادمت عليه السنون منذ السبعينات، فقد ينال إنصاف المنصفين من الذين لم يحاسبوا في تلك الفترة المظلمة من تاريخنا الوطني. أعرف، أن ذلك أصبح ماضياً وقد تجاوزه الزمن، وأعرف أيضاً، إنه سيخرج علينا من يقول: إن البحرين لم تشهد مثل هذه الوحشية، وإننا نبالغ بنسج خيال واسع في المبالغات وتضخيم الأشياء الصغيرة، ونجعل من «الحبة قبة»، غير أن الذي جرى لم يكن طبيعياً، تماماً كما حدث للشهيد الشاب سعيد الاسكافي الذي خرم جسمه بآلة مثقاب الخشب أو الحيطان (سيان)، وحرقه بمكوى في أجزاء حساسة من جسده، وفعلوا به أشياء يصعب ذكرها، ولا نعرف ما هي المعلومات «الخطيرة» التي بحوزة طالب في الصف الأول الثانوي وتستدعي هذه الأساليب الوحشية لانتزاعها من شاب عمره لا يتجاوز الــ 16 عاماً؟، كان من المفترض والطبيعي، إن شئتم، وإن كان هذا الشاب ارتكب «حماقات» أو «عملاً تخريبياً»، أن يقبض عليه ويقدم إلى المحاكمة ويحاسب على «الجرم» الذي ارتكبه، لا أن يقتل خارج نطاق القضاء بهذه الطريقة المقززة، فيما يبقى قاتلوه أحراراً يتنقلون بين ناظر أهله وذويه ورفاقه من دون محاسبة لهذه الانتهاكات التي تعرض لها الآلاف من ضحايا التعذيب. لماذا القتل خارج نطاق القضاء؟ ولماذا لم يحاسب أي منتهك لحقوق الإنسان إلى يومنا هذا، ويريد البعض أن يقلب صفحة الماضي بهذه البساطة، وكأن شيئاً لم يكن؟، إنه لغز، واللغز يحتاج إلى حل، والحل يحتاج إلى حسبة، للأسف ليست بيدي وليست بيدك، إنها بيدهم، لكن الذي نفهمه، أن ضحايا الانتهاكات كثيرون، والمنتهكون قلة، فهل نضحي بوطن كامل من أجل قلة، تاريخها لا يشرّف أحداً، ولا يجرؤ أحد أن يتفاخر به، لا في فترة الانفتاح السياسي، ولا في فترات القمع السوداوية التي مررنا بها، يوم كانت أفواهنا مكممة؟

العدد 1174 - الثلثاء 22 نوفمبر 2005م الموافق 20 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً