في مقال أمس تم التطرق إلى ما تحتاج إليه البحرين لكي تسير نحو الطريق الذي سارت عليه سنغافورة ووصلت من خلاله إلى مصاف الدول المتقدمة. سنغافورة لديها مساحة مماثلة لمساحة البحرين (نحو 700 كيلومتر مربع) ولكن شعبها يعادل أكثر من أربع مرات سكان البحرين. ومع ذلك فإنه لا توجد في سنغافورة المشكلات التي نعاني منها، ولكن ذلك لم يتحقق بصورة مجانية ومن دون رؤية، بل على العكس من ذلك. وفي مقال أمس كانت هناك إشارة إلى حاجة البحرين لأن تصلح أسلوب إدارة الشركات الكبرى التي تسيطر عليها الحكومة، وهذه الشركات (مع القطاع العام) هي المحرك الأكبر للاقتصاد على رغم أن الحديث يتوجه إلى القطاع الخاص، وفي هذا الموضوع تفصيل ينشر في وقت آخر. وقد تمت الإشارة أمس إلى حاجة البحرين أيضاً إلى ضمان توافر الطاقة من غاز وكهرباء وبنية تحتية، وتمت الإشارة إلى ضرورة «إصلاح استملاك الأراضي»، ولعل هذا الإصلاح الأخير هو الأهم على الاطلاق، إذا كنا فعلاً نود اللحاق بدولة مثل سنغافورة. البحرين حالياً لديها مساحة كبيرة جداً بالنسبة إلى عدد سكانها، ولكن شعب البحرين يكاد يختنق لأنه مسموح له بالوجود فقط على عشرة في المئة من مساحة البحرين الحالية، وهذا ما أشارت إليه النقاشات أثناء ورشة العمل التي نظمها مجلس التنمية الاقتصادية في فبراير/ شباط الماضي. وقد أعلن حينها أن الحكومة ستجلب شركة دولية للتعرف على خريطة البحرين، وأن هذه الشركة ستستغرق سنتين للتعرف على تفاصيل الأمور، ولكن ليس بالضرورة أن يتغير من الأمر شيء. فكل ما هناك أن الشركة الدولية ستوضح للحكومة ولغير الحكومة ما هو شكل الخريطة وملكية الاراضي في البحرين وأين يمكن التوسع، إذ إن مثل هذه الخريطة مازالت من «أكبر أسرار الدولة» ولا يمكن لأي مواطن أو صحافي أو باحث أن يحصل عليها، أو على معلومات دقيقة بشأنها. هذا في الوقت الذي يمكن لأي شخص أن يدخل على الإنترنت ليعرف كل ما يود أن يعرفه عن أراضي سنغافورة وتسهيلاتها. المفارقة هي ان البحرين من المتوقع أن تتضاعف مساحتها خلال السنوات المقبلة مع المشروعات التي أعلنت خلال الأشهر الماضية لردم مساحات كبيرة جداً في شمال البحرين، وشرق البحرين، وجنوب البحرين. ومجموع ما سيتم ردمه يعادل المساحة الحالية، إذا لم يكن أكثر من ذلك. والجميع أيضاً يعلم أن هذا الدفن وهذه التوسعة لن تكون حالها أفضل من حال الجزيرة الأم التي يعيش أهل البحرين على جزء صغير منها فقط، بينما البقية أصبحت «ملكاً خاصاً» لايجوز لأي مخلوق الاقتراب منه. الاتجاه المستقبلي بالنسبة إلى سياسة الأراضي إذاً يسير على النهج ذاته الذي تسير عليه الأمور حالياً، وهذا يعني أن البحرين لا يمكنها أن تفكر في بلد مثل سنغافورة، إذ المبدأ الأساسي هناك هو «تداول» الثروة بين أهل سنغافورة على أساس أكثر عدلاً، بالإضافة إلى وجود مخطط متكامل لتسهيل حياة أكثر من أربعة ملايين إنسان على أرض مساحتها مثل البحرين (... ومستقبلاً ستصبح سنغافورة بحجم نصف البحرين عندما تتضاعف مساحة بلادنا بعد اكتمال عمليات الردم). إن «إصلاح استملاك الأراضي» يأتي على قائمة أولويات الإصلاح في كل بلد انتقل إلى موقع متقدم عالمياً، ولكنه مازال خارج الأجندة البحرينية، والحديث الوحيد المتوافر رسمياً هو ما يتعلق بنشاط شركة دولية سترسم لنا خريطة البحرين خلال عامين (وحاليا مضى على عملها نصف العام)... غير اننا لسنا بحاجة إلى أن نعرف شيئاً أكثر مما نعرفه حالياً، إنما نحن بحاجة إلى انطلاقة جديدة تتحدث عن «إصلاح ملكية الأراضي» أولاً، وبعد ذلك نستطيع ان نحلم بإمكانية اللحاق بسنغافورة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1174 - الثلثاء 22 نوفمبر 2005م الموافق 20 شوال 1426هـ