العدد 1172 - الأحد 20 نوفمبر 2005م الموافق 18 شوال 1426هـ

سباق أولويات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

سباق أولويات في العراق. وفي النهاية لابد من فائز. والفائز في هذه الحال خاسر. فما يحصل في بلاد الرافدين هو "دمار شامل" لكل الأطراف. من يسبق الآخر؟ هناك مقاومة وطنية "عربية/ إسلامية" توجه ضربات شبه يومية للاحتلال والمتعاملين تسقط نحو 5 قتلى وجرحى. تقابلها قوى شريرة لا يعرف من يمولها ويشجعها ويسهل نشاطها تقتل وتجرح يوميا عشرات الضحايا من المدنيين الأبرياء. وفي نهاية الشهر تكون الحسبة العامة كالآتي: مئة قتيل وجريح من طرف الاحتلال مقابل ألف قتيل وجريح من الطرف العراقي. هناك سباق أولويات بين المقاومة من جهة، وقوى الشر من جهة أخرى. الأولى تستهدف الاحتلال والقوات الأميركية، والثانية تنزل "العقاب الجماعي" على الناس والأحياء المدنية والمساجد والمدارس والمستشفيات والأسواق التجارية. وفي النهاية يتدهور حال العراق وتتراجع علاقاته الأهلية من الدولة إلى المنطقة ثم الطائفة والمذهب، وأخيرا القبيلة والعشيرة. هذه الكارثة تطلق عليها الإدارة الأميركية "الفوضى البناءة" وهي كما تبدو في الواقع المنظور مستمرة على الأقل إلى نهاية الاحتلال. هذا هو واقع العراق الآن. وحفلات التراشق بالكلمات التي ظهرت في جلسات "مؤتمر الوفاق الوطني" التي جرت في القاهرة تعطي فكرة عن تلك الصور والمشاهد التي تمر يوميا أمام شاشات التلفزة والفضائيات. فالكلام في القاهرة يلخص تلك الوقائع الدموية التي تحصل يوميا في بغداد والمحافظات وتغيب في سياقها الميداني وجوه الأطفال والنساء والشيوخ والشباب. إنها "فوضى بناءة" تقول عنها واشنطن. وهذه المشاهد التي نراها يوميا هي مظهر من مظاهر "النموذج الخلاق" الذي بشرت به إدارة جورج بوش شعوب المنطقة. فالولايات المتحدة ترى أن ما يحصل هو "عقاب جماعي" يجب تعميمه على "دول الجوار"... حتى تتعلم شعوب المنطقة دروس "الديمقراطية" و"الإصلاح" واحترام "حقوق الإنسان". وهذا الكلام الأميركي لا يختلف في جوهره عن "الصدامية". فالصدامية دكتاتورية شخص حكم الدولة من خلال الأسرة "والعشيرة" وفرض على الناس النظام والأمن ومنعهم من الكلام. والاحتلال دكتاتورية إدارة عسكرية حكمت البلاد من خلال قوات استقدمت من الخارج فألغت النظام وعطلت الأمن وسمحت للناس بالكلام. هذا هو الكلام الأميركي. تستطيع أن تقول ما تريد وواشنطن تفعل ما تريد. وبين الكلام والفعل تطايرت الدولة إلى أجزاء أهلية ودبت الفوضى وانتشر العنف وساد قانون القتل وانتصرت سياسة "العقاب الجماعي". ما هو الفارق إذا، بين نظام يمنع الكلام ويقتل كل من يعترض سياسته، وبين احتلال يسمح بالكلام ويعاقب كل من يرفض وجوده؟ الإدارة تجيب: الفارق هو "الفوضى البناءة". فالفوضى "دمار شامل" لها ملامح إيجابية كما يقول "البيت الأبيض" فهي تؤسس لدولة دستورية منتخبة من الناس. وهذه الدولة الدستورية المنتخبة هي "النموذج البناء" الذي تتوقع الولايات المتحدة ولادته بعد انتخابات 15 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. النموذج إذا، يولد بعد الدمار الشامل ومن تحت ركام "الفوضى البناءة". وفي حال ولد النموذج مقطع الاوصال ومشوها ويعاني الكثير من الأمراض... فإن الرد الأميركي لا يستبعد أن يكون: هذه مشكلتكم. نحن حاولنا المساعدة. وإذا كانت النتيجة ولادة طفل مشوه لا يقوى على التفكير ولا يرى وغير قادر على الوقوف... فإن العطل البنيوي "العضوي" يعود إلى سوء العلاقات الاجتماعية الموروثة وضعف البنية التحتية التي يعاني منها العمران البشري العربي. هذا الجواب يتوقع أن تعلنه الولايات المتحدة بعد أن تتأكد أن مشروعها "نموذجها الخلاق" بات قاب قوسين من الولادة. العراق إذا، في سباق أولويات، بين مقاومة تطارد الاحتلال لطرده من البلاد وقوى شريرة تسهم في تمزيق علاقات الأهل من خلال سياسة "العقاب الجماعي" ضد الناس. وبين المشهد الأول والثاني تتراشق الأطياف السياسية الكلام في القاهرة بانتظار أن يولد "النموذج" في الشهر المقبل. ومجموع النتيجة "فوضى بناءة" تقف على حد سكين، فمن جهة يهدد الاحتلال بالطرد، ومن جهة يهدد العراق بالاضمحلال.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1172 - الأحد 20 نوفمبر 2005م الموافق 18 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً