يبدو أن عام الديك "وفق التقويم الصيني" قد خيب آمال الصينيين الذين توقعوا أن يبيض لهم ذهبا فقد هبت رياح شتائه تحمل معها الخوف والهلع. وهو يصر على عدم الرحيل بمثل ما استقبل به من حفاوة وترحيب قبل أن ينتقم للملايين من بني ريشه الذين يجري اعدامهم بتهمة نقل الفيروس المسبب لمرض انفلونزا الطيور. الصين زجت بكل إمكاناتها المالية والبشرية بما فيها العسكرية بعد الاعلان عن بؤرة رابعة لتفشي المرض في إقليم لياونينغ شمال شرق الصين في غضون أقل من شهر. بضعة آلاف من جنود جيش التحرير الشعبي قاموا بإعدام أكثر من ستة ملايين دجاجة تم دفنها في مقابر جماعية ثم فرضوا طوقا امنيا مشددا على محيط ثلاثة كيلومترات في المنطقة التي عثر فيها على تسعة آلاف دجاجة نفقت شمال شرقي البلاد. كما تم إخلاء الأسواق المحلية من الطيور ومنتجاتها. مجلس الوزراء الصيني شكل خلية أزمة من مختلف الوزارات المعنية للتعامل مع الحادث وأقر موازنة بقيمة ربع مليار دولار لمكافحة الفيروس الذي اعتبر خطرا داهما يهدد الصحة العامة والأمن الاجتماعي. السلطات نشرت أيضا المئات من نقاط المراقبة على مداخل المدن والبلدات، إذ يتم تعقيم العربات والأشخاص. وتحاول الحكومة توفير لقاحات لجميع الطيور المأهولة وتفرض على اصحاب المزارع ومقتني الطيور تلقيحها مهددة بسجن أو توقيف من يثبت عدم التزامه بالتعليمات. حملة الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها الصين أثناء تفشي مرض سارس العام 2003 بسبب تكتمها على المرض لا وجود لها الآن وخصوصا بعد أن أقرت الحكومة الصينية التوقف عن اعتبار أعداد الضحايا جراء الكوارث الطبيعية من اسرار الدولة، بل ذهبت الى أبعد من ذلك بنشر تقرير يومي عن تطورات المرض في انحاء البلاد شبيه بنشرة الاحوال الجوية وحددت فترة قصوى لا تتجاوز الثلاث ساعات للاعلان عن اية إصابة في أي منطقة في الصين. وعلى رغم عدم الاعلان رسميا عن أية اصابة في صفوف البشر فإن الصين طلبت مساعدة منظمة الصحة العالمية للتحقق من ثلاث حالات اصابة احداها لفتاة في الثانية عشرة من عمرها توفيت في السابع عشر من اكتوبر/ تشرين الأول الماضي في إقليم خونان جنوب الصين يخشى أن سبب الوفاة قد يكون ناجما عن الاصابة بالمرض، لكن المنظمة الدولية قالت إنها تحتاج الى أسبوع كامل للتحقق من ذلك. في ظل هذه الظروف يزداد القلق لدى المواطن العادي الذي بدأ يحجم عن تناول لحوم الطيور ومنتجاتها لأنه يعلم أن الكثير من هذه الاجراءات الحازمة ستبقى تعاني من بعض الثغرات كاحتمال تقاعس المزارعين عن تلقيح جميع دواجنهم طالما أن ذلك ليس مجانيا بعد، كما أن التعويض الذي يحصل عليه المزارع من الحكومة جراء التخلص من دواجنه لا يتجاوز نصف سعرها في السوق. ناهيك عن غياب التثقيف والتوعية لثلاثة أرباع مليار نسمة من سكان البلاد يقطنون في قرى نائية يتعايش فيها الانسان والحيوان والطير جنبا الى جنب في اتصال مباشر، بل وفق بيئة ونمط معيشي وغذائي يعتمد فيه احدهم على فضلات الآخر اعتمادا كبيرا. الصين دعت أيضا إلى ضرورة تعزيز التعاون الدولي والاقليمي لمحاربة هذا الارهاب الجديد الذي يعبر القارات ويهدد الملايين، لكن كل هذه الإجراءات وفق رأي المراقبين لن تستطيع ان تمنع الطيور من أن تطير. وهكذا، فإن تلك المخلوقات التي عرفت بأنها أليفة تصبح الآن مخيفة. وبعد أن بقي مصيرها منذ وجدت يحدده خيار واحد بأن تقتل كي تؤكل... بات امامها خيار آخر الآن أن تؤكل فتقتل. كفانا الله واياكم شر اكلها. آمين... ولا تقربوا الطيور المهاجرة من الصين واقتلوا الطيور الوافدة من بلاد التنين ومن وراء السور العظيم. اعتذر عن التوقيع باسمي الكامل على هذا المقال الثمين لهذه المرة على الأقل.
العدد 1171 - السبت 19 نوفمبر 2005م الموافق 17 شوال 1426هـ