أحبط الكونغرس الأميركي مشروع قرار تقدم به أحد أعضاء الحزب الديمقراطي يطالب الرئيس جورج بوش بسحب القوات من العراق. مشروع القرار أسقطته غالبية الأعضاء بعد أن رفض الرئيس الأميركي مناقشته بذريعة أنه يؤثر سلبا على معنويات الجنود ويعطي فرصة للخصوم بتوسيع نشاطهم. فشل مشروع القرار لا يعني أن الفكرة ليست واردة. فهناك معلومات كثيرة سربتها الصحف البريطانية والأميركية عن وجود خطة للانسحاب التدريجي تبدأ في مطلع العام المقبل وتستكمل جزئيا في شهر يونيو/ حزيران .,,2006 ثم تأخذ بالتصاعد في نهاية العام. وترجح المعلومات الصحافية أن يبقى الجزء الأكبر من قوات الاحتلال في مناطق محددة إلى نهاية العام 2007 وربما .2008 هذه المعلومات غير رسمية ونفتها مرارا المراجع المطلعة في حكومة طوني بلير وإدارة بوش. والنفي لا يقطع الشك، ولكن أيضا لا يؤكد وجود قرار نهائي على هذا الصعيد. حتى الآن لاتزال واشنطن مترددة ولا تسمح بالتطرق إلى هذا الموضوع علنا لأنه برأيها يكشف عن ثغرات أمنية ويشجع فرقاء الصراع أو الأطراف المعنية في العراق ودول الجوار على اتخاذ مبادرات أو خطوات تحبط المشروع الاستراتيجي العام الذي أعلنت إدارة "البيت الأبيض" عن بعض جوانبه. المسألة إذا لم تحسم حتى الآن. وهناك آراء مختلفة في هذا الاتجاه منها تلك التصريحات المنسوبة إلى الوزير والمستشار السابق هنري كيسنجر الذي اعتبر فيها أن استبعاد الخيار العسكري ضد إيران من الأخطاء الاستراتيجية. ويرى هذا المسئول السابق الذي لايزال له تأثيره على السياسة الخارجية أن إعلان واشنطن عدم وجود خطة لتوجيه ضربة عسكرية كان خطأ وعلى الإدارة تصحيحه بإعادة تأكيد مثل هذا الاحتمال. وعلى منوال كيسنجر هناك الكثير من التصريحات التي تصب في الاتجاه نفسه. كذلك هناك آراء مضادة تصرح باتجاهات معاكسة، ولكنها ليست متفقة على خطة موحدة للانسحاب. بعض تلك الآراء يقترح فترة زمنية طويلة وبعضها الآخر يطالب بتسريع خطوات الانسحاب حتى لا تتضرر سمعة الحزب الجمهوري ويخسر الانتخابات التشريعية النصفية في خريف العام المقبل. الإدارة إذا مرتبكة وهي ضائعة بين وجهات نظر مختلفة... ولكن بوش لايزال حتى الآن يتابع ما بدأه سابقا منذ العام .2001 فالتغيير بدأ، ولكنه لم يصل إلى قمة السلطة التي تصر على عدم كشف أوراقها وإبقاء كل الخيارات مفتوحة أمامها بما فيها خطة المغامرة العسكرية وعدم الخروج من المنطقة قبل تحقيق "الانتصار الكامل". واشنطن حتى الآن تتمسك باستراتيجية واحدة وتعتمد مجموعة سياسات تتدرج من الصلابة إلى المرونة وتتلون أيديولوجيا لتتناسب مع ظروف المكان والزمان. فهي تتساهل مع بعض الدول وتعطيها فرصة للتبدل والتغير. بينما تطالب بعض الدول باتباع هذا النهج والتخلي عن ذاك. وأحيانا تغض الطرف عن دول معينة تخالف القوانين والدساتير وتتحدى الشرعية الدولية وتتجاوز الحريات وحقوق الإنسان. كل هذه السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة في وقت واحد تكشف عن وجود خلل ميداني في تطبيق استراتيجيتها العامة. فإدارة بوش بعد سلسلة مغامرات عسكرية اكتشفت أن المنطقة العربية/ الإسلامية الضعيفة ليست سهلة الاحتواء. فالضعف في المواجهات والحروب لا يعني بالضرورة أن قدرات المنطقة على الممانعة معدومة وأنها قابلة للتآكل والتكيف السريع. وهذا الفارق بين سهولة الانكسار العسكري وصعوبة الانكسار السياسي فرض وجوده الميداني وعطل على آلة الحرب الأميركية السير في شعاب المنطقة العربية/ الإسلامية من دون عقبات ومطبات. وبسبب هذه المفارقة بين السهل والممتنع ظهرت تلك الآراء السياسية التي أخذت تضغط على واشنطن مطالبة إدارتها بإعادة النظر في استراتيجيتها الهجومية. حتى الآن، الإدارة مترددة ولاتزال ترفض مجرد البحث في فكرة "الانسحاب الشامل" بذريعة أن طرحها يعرض مصالح أميركا للخطر ويؤثر على المعنويات ويرسل إشارات خاطئة للخصوم والاعداء. فالانسحاب كما يراه بوش من "الاسرار العسكرية" ولا يقرره الكونغرس أو الشارع الأميركي، بل هو سياسة ترسم خطواتها الفنية الأجهزة والمؤسسات صاحبة القرار النهائي في هذا الشأن. أحبط الكونغرس مشروع قرار الانسحاب إلا أن مجرد طرح الفكرة على أعلى المستويات يعطي صورة عن واقع سياسي يتردد بين الهجوم "توسيع دائرة المغامرة" أو الانسحاب "الاعتراف بفشل المشروع". وبين الأول والثاني هناك فترة زمنية شديدة الصعوبة وكثيرة التقلبات.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1171 - السبت 19 نوفمبر 2005م الموافق 17 شوال 1426هـ