يبدأ اليوم في القاهرة مؤتمر الوفاق الوطني العراقي بحضور وزراء الخارجية العرب في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. ويرجح أن يبحث المؤتمر شروط الاتفاق للخروج من أزمة الاحتلال التي ولدت تداعيات كثيرة. الشروط صعبة ويحتمل ألا تتوصل الأطياف إلى التوافق على صيغة نهائية لحل الأزمة كما توقع الأمين العام للجامعة عمرو موسى. ولكن مجرد التفاهم على ضرورة البحث عن مخرج عربي لتداعيات الاحتلال الوطنية والإقليمية والقومية يعتبر خطوة مهمة في سياق القراءة الدولية للأزمة. ومجرد قبول الولايات المتحدة بفكرة التوافق على عقد مؤتمر للوفاق العراقي تحت سقف جامعة الدول العربية يعتبر أول إشارة سياسية تصدر عن واشنطن بهذا الاتجاه. فالولايات المتحدة منذ بدء التخطيط للحرب في العام 2001 لجأت إلى استخدام كل الأساليب المخالفة للقانون الدولي حتى لا تمنع من تنفيذ مشروعها. ولهذا الغرض تحدت قرارات مجلس الأمن وانفردت بالحرب. بعد احتلال العراق واصلت واشنطن سياسة التحدي للقرارات الدولية وتخاصمت مع دول مجلس الأمن ولجأت إلى استبعاد وجود الأمم المتحدة وإلغاء دورها مستفيدة من العمليات التي دمرت مقراتها في بغداد. ولم يقتصر موقف واشنطن على منع الأمم المتحدة من ممارسة دورها، بل طورته باتجاه إلغاء الدور العربي على مستوى المؤسسات القومية التابعة للجامعة العربية أو على مستوى التمثيل الدبلوماسي العربي التابع للدول العربية. كان التعامل الأميركي مع العراق يقوم على سياسة الانفراد بـ "الغنيمة". ورأت إدارة جورج بوش أن بلاد الرافدين غنيمة حرب انقضت عليها منفردة ولا يحق لأي طرف دولي أو إقليمي أو عربي المشاركة أو المطالبة بحصة فيها. واعتبرت الولايات المتحدة العراق منطقة محرمة تمس أمنها القومي وتتصل بمجالها الحيوي الجغرافي - السياسي. ووفق هذا المنطق لجأت في السنة الأولى من الاحتلال إلى حذف أو شطب كل العناصر الدولية والإقليمية والعربية التي كانت موجودة في العراق أو حاولت التدخل أو الدخول إلى البلاد. بعد مرور أكثر من سنة على الاحتلال أخذت واشنطن تتراجع عن سياسة الاستفراد ولجأت إلى تدويل الاحتلال من خلال تطبيع علاقاتها مع دول مجلس الأمن مقابل تقديم تنازلات قانونية وضعت ملف الاحتلال تحت إشراف دولي. والسبب في لجوء "البيت الأبيض" إلى هذه الوسيلة يعود إلى اضطراره إلى التفرغ لموعد انتخابات الرئاسة ومخاوفه من نمو المقاومة وانتشار سلبيات الفوضى. في السنة الثانية للاحتلال بدأت الولايات المتحدة تعتبر أن قواتها مكلفة دوليا بإدارة البلاد وتنظيم شئونها حتى تنهض الدولة المقوضة وتقف على قدميها دستوريا وأمنيا ومن دون حاجة إلى مساعدة قوات الاحتلال. إلا أن الصيغة التوفيقية بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة لم تنجح في ضبط الوضع العراقي تحت المظلة الدولية. إذ استمر العنف المنظم إلى جانب "الفوضى البناءة" وأخذ الاضطراب الناجم عن الاحتلال ينتقل إلى دول الجوار. الآن يمكن اعتبار مؤتمر الوفاق الوطني في القاهرة خطوة ملفتة نحو بدء الاعتراف بضرورة تعريب الأزمة العراقية تحت مظلة أميركية - دولية. فللمرة الأولى توافق واشنطن على صيغة محدودة تسمح بتدخل عربي لمعالجة أزمة انفجرت بسبب الاحتلال وتداعياته. وهذا يعني أن أميركا تريد في السنة الثالثة خلط الأوراق تمهيدا لإعادة تركيب عناصر الحل بمزجها مجددا ووضع الاحتلال تحت سقف دولي - عربي وإقليمي "دول الجوار" في حال قررت اتخاذ خطوة حاسمة لإنهاء الأزمة. مؤتمر الوفاق في القاهرة مجرد إشارة جديدة في سياق أزمة كبيرة دخلت في محطات بدأت بالانفراد بالساحة واستبعاد القوى الدولية والإقليمية والعربية وأخذت تتجه نحو القبول باستعارة مختلف القوى تمهيدا لإدخالها في الأزمة لتأمين المسالك القانونية للخروج... أو للانقضاض على أهداف أخرى
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1170 - الجمعة 18 نوفمبر 2005م الموافق 16 شوال 1426هـ