"منتدى المستقبل" طرح مصطلحات جديدة، وهذه المصطلحات تتداخل كثيرا فيما بينها بشكل أدى إلى خلط في الأوراق لدى عدد غير قليل من المتابعين للمنتدى. "منتدى المستقبل" يجمع حكومات الدول التي وافقت على الدخول في مبادرة "الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا" التي اطلقتها مجموعة الدول الثماني في منتصف العام .2004 وقد طرحت المبادرة نهجا جديدا لم يكن موجودا في الدبلوماسية الدولية بهذا الشكل، وهي انها طلبت استشارة "المجتمع المدني" و"أصحاب الأعمال". وعلى هذا الأساس فإن هناك منتديين متوازيين، أحدهما يختص بالمجتمع المدني، والثاني يختص بأصحاب الأعمال. المجتمع المدني أكثر تعقيدا لأنه يمثل مجموعات عدة ومتوزعة في الاهتمامات، ولذلك فإن "منتدى المستقبل" الذي عقد في المنامة في 11 و12 نوفمبر / تشرين الثاني نجح أكثر من اللقاء الذي عقد في الرباط في ديسمبر / كانون الأول من العام الماضي في اشراك مؤسسات المجتمع المدني. فقد كانت هناك ورش عمل اقليمية عقدت في عدة بلدان، وتم نقل توصيات إلى "المنتدى الموازي"، وبعد ذلك تم تلخيصها، وقام وفد من المنتدى الموازي لمؤسسات المجتمع المدني بالتقاء المسئولين الرسميين في الدول المشاركة في "منتدى المستقبل". "أصحاب الأعمال" - أو القطاع الخاص - كان لهم منتدى مواز آخر، وقد تسلم "مجلس الأعمال العربي" مهمة تمثيل وجهات نظر القطاع الخاص لنقلها إلى "منتدى المستقبل". وقام مجلس الأعمال العربي بعقد ورش تحضيرية، ومن ثم عقد اجتماعا عاما في المنامة حضره نحو 180 شخصية اقتصادية وتنفيذية وخرجوا بتوصيات محدودة. وقام وفد من "مجلس الأعمال العربي" بالتقاء المسئولين من الدول المشاركة في تنظيم "منتدى المستقبل". وعندما سألت "الوسط" نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي سكوت كاربنتر لماذا لا يكون هناك منتدى مواز آخر للإعلاميين، قال إن المسئولين عن "منتدى المستقبل" يفكرون في ذلك، وإن هذا المنتدى الموازي قد يبدأ أعماله خلال 2006 لكي يطرح توصياته إلى المؤتمر الثالث لـ "منتدى المستقبل" الذي سيعقد في الأردن العام المقبل. فكرة "المنتدى الموازي" تنبع من نظرية موازنة السلطات. فالدولة لديها سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، وهذه يتوجب موازنتها "أو موازاتها" مع السلطات الأخرى خارج إطار الدولة. وأهم تلك السلطات الأخرى تبرز "الصحافة" التي يطلق البعض عليها اسم "السلطة الرابعة"، على أساس ان السلطات الثلاث الأخرى "التشريعية والتنفيذية والقضائية" تتبع الدولة. ثم كانت هناك تنظيرات برزت على سطح السياسة المحلية والدولية منذ نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، وهذه التنظيرات تقول إن مؤسسات المجتمع المدني - إذا كانت مستقلة وملتزمة بحكم القانون - فإنها تمثل سلطة أخرى خارج سلطات الدولة، وتستطيع موازنة السلطات الأخرى باتجاه الديمقراطية. إضافة إلى المجتمع المدني، فإن التنظيرات تقول أيضا إن "القطاع الخاص"، وهم أصحاب الأعمال، يعتبرون سلطة أخرى فيما لو كان أصحاب الأعمال يمارسون نشاطهم بصورة مستقلة ويخضعون لضوابط الشفافية وحكم القانون الملتزم بمفاهيم التجارة الحرة. وأعتقد أيضا أن هناك سلطة أخرى، غير الصحافة، وغير المجتمع المدني، وغير القطاع الخاص، وهذه السلطة تبرز أكثر في مجتمعاتنا الإسلامية، وهي "سلطة علماء الدين". البعض يقول إن علماء الدين جزء من المجتمع المدني، وهذا ربما يكون صحيحا في بعض الأحيان وغير صحيح في أحيان أخرى. فالمجتمع المدني يقوم على "اتفاقات طوعية" بين مجموعة من الناس، فإذا دخل علماء الدين ضمن هذه الاتفاقات فإنهم فعلا من المجتمع المدني. ولكن إذا طرح علماء الدين بأنهم ملزمون بتنفيذ "الواجب الديني" بحسب ما يفهمونه من النصوص الدينية، وأن هذا الواجب "فوق الاتفاقات الطوعية"، فإنهم بذلك يصبحون خارج إطار المجتمع المدني المتعارف عليه. وربما إننا بحاجة إلى منتدى مواز لعلماء الدين للأخذ بوجهة نظرهم بصفتهم سلطة أخرى في بيئتنا السياسية.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1170 - الجمعة 18 نوفمبر 2005م الموافق 16 شوال 1426هـ