العدد 1169 - الخميس 17 نوفمبر 2005م الموافق 15 شوال 1426هـ

دور وسائل الثقافة والإعلام والتربية في التعاون العربي الأوروبي

حسين الحليبي comments [at] alwasatnews.com

-

لا تشكل وسائل الثقافة والإعلام والتربية حقلا مستقلا عن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي  

إن تحقيق الشراكة بين الشعوب العربية والأوروبية هي أقل صعوبة في المجالات الاقتصادية والمالية والسياسية حتى والعسكرية، منها في المجالات الإنسانية التي لا تخضع لقرارات إدارية أو حكومية، بل تحتاج لتشكيل فهم جديد ووعي جديد وقبول إنساني متبادل، يحتاج لجهود حثيثة ونوايا صادقة ورغبة وإرادة ووقت يتاح معه تغيير المفاهيم الخاطئة ونزع العداء المتبادل وترسيخ التفهم والتفاهم والاحترام والإيمان بأهمية التعاون والمصالح المشتركة، وصولا إلى الاقتناع بضرورة إقامة الشراكة الفعلية التي ترى جميع الشعوب مصلحتها فيها، فتعمل لإنجاحها وديمومتها وتتمسك بها كعامل إيجابي يؤثر في التطور ورفع مستوى العيش وتحقيق الأمن والسلم ليس في المنطقة العربية والأوروبية فقط بل في العالم كله. إن التعاون وتنشيط الحوار ودعم السلام هي حاجات ملحة للشعوب العربية والأوروبية وإن مجمل التطورات العاصفة التي تواجهها الإنسانية وخصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة جعلت التعاون الإقليمي عنصرا مهما لاغنى عنه تستطيع الشعوب من خلاله رفع مستوى حياتها وتحقيق التنمية الشاملة، واستطرادا المساهمة في بناء السلم الإقليمي والتعايش الدولي، وأصبح من الصعوبة على أية أمة أن تتجاهل ضرورة انتسابها لمحيطها وتعاونها معه، ولا تخرج الشعوب العربية والأوروبية عن هذه الحاجة التي يعززها الموقع الجغرافي والعلاقات التاريخية والاقتصادية والثقافية والإنسانية بينها بكل ما حملت تاريخيا من تعاون وتناقض، من سلم وحرب، من عداء وتفاهم، وتؤكد هذه الحاجة الظروف القائمة في عالم اليوم بما فيها من صراعات عن مفاهيم العولمة وتطبيقاتها والمثاقفة والشراكة والتعاون وعن تحديد إطار وأسس النظام العالمي الجديد. ولا يغيب عن الذهن في هذا المجال أهمية الموقع الجغرافي الذي لا يستطيع أحد تغييره وعلاقات الجوار الإلزامية التي لا تخضع للخيار وتجبر الجميع على ضرورة إيجاد صيغة للتعاون والتضامن والصداقة بين الشعوب العربية والأوروبية، هذا فضلا عن المصالح الكبيرة لجميع الأطراف التي تحققها العلاقات الاقتصادية والتجارية الواسعة. يواجه الحوار العربي - الأوروبي صعوبات عدة بعضها تشكل تاريخيا والبعض الآخر نتج عن طبيعة ظروف التطور العالمي الراهن، وتقتضي الرغبة الصادقة في إنجاح هذا الحوار والمواقف المسئولة تجاه هذه المهمة الكبرى الإشارة إلى هذه الصعوبات وتشخيصها بهدف مواجهتها والتغلب عليها، وتهيئة المناخ المناسب لحوار فعال يحقق النتائج المرجوة، لا بهدف تحديد المسئوليات أو إدانة هذا الطرف أو ذاك، لكي لا نقع جميعا "عربا وأوروبيين" في خطأ البناء على أساس هش وعلى ممارسة المجاملات ونحن نبني بناء مهما وضروريا وضخما وملحا ومفيدا لنا جميعا، وكلما أشرنا إلى الصعوبات وحددناها كلما اقتربنا أكثر من إنجاح الحوار وتحقيق التفاهم وبناء علاقات متينة وثابتة ودائمة.

ثانيا: الصعوبات

لقد تأثرت ثقافة الشعوب العربية والأوروبية خلال التاريخ بعضها بالبعض الآخر في مختلف المجالات سلبا أو إيجابا، قبولا أو رفضا، لذلك نجد في الحالات كلها في كل ثقافة شيئا من الثقافة الأخرى، وهذا يؤكد إمكان وضرورة عقد حوار واسع بين هذه الثقافات من شأنه إزالة المواقف السلبية المتراكمة ودفع الثقافات نحو التفاعل والتعاون. ولاشك أن الحوار الجاد والموضوعي والمسئول كفيل بإزالة الحذر والمواقف السلبية المسبقة وفتح آفاق التعاون والتفاهم. لقد تشكلت صورة نمطية لدى الشعوب العربية والأوروبية بعضها تجاه البعض الآخر، ترسخت عبر عملية تراكمية معقدة بدأت في مراحل مبكرة من التاريخ واستمرت حتى الآن، ونتجت "هذه الصورة النمطية" عن عوامل متعددة معقدة ومتناقضة، واقعية أحيانا وغير واقعية أحيانا أخرى، عقلانية وغير عقلانية، مشخصة مرة ومجردة مرات، ذات دوافع حسنة النية أو سيئتها، تميل غالبا للتجريد والتعميم والتبسيط والمبالغة، ولم تكن بالإجمال متوازنة لا لدى الشعوب العربية ولا لدى الشعوب الأوروبية، وتقف الآن كواحدة من العقبات الرئيسية أمام التعاون والتعايش وعلى وسائل الإعلام والثقافة بذل جهود مضنية لتغييرها بما يخدم التعاون والشراكة. فمن جانب الشعوب الأوروبية كادت صورة العرب والمسلمين أن تصبح لدى بعض الرأي العام الأوروبي صورة ثابتة غير قابلة للتطوير، فحواها الإيمان بالتفوق الأوروبي لأن العرب متخلفون وخاملون ومتعصبون، وأن الدين الإسلامي دين متخلف يعوق الإبداع ويكرس الجمود والكسل، واستبدادي غير قابل للتعايش مع الآخرين، وبعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول أضيفت صفة الإرهاب وألصقت بالعرب والمسلمين ما رسخ هذه الصورة النمطية الخاطئة والظالمة. ومن طرف آخر، تكرست صورة نمطية أخرى لدى العرب عن الشعوب الأوروبية "بدرجات متفاوتة بحسب نوع الاستعمار ومدته وتعامله مع كل بلد عربي" خلاصتها أن الشعوب الأوروبية هي شعوب استعمارية معادية لاستقلال العرب وتحررهم، وأن أوروبا هي سبب التخلف والمصائب العربية نتيجة استعمارها الطويل للبلدان العربية، لأن الأوروبيين هم الذين زرعوا "إسرائيل" على الأرض العربية بنية مسبقة وخطة استعمارية وسلحوها ودعموها ومازالوا يدعمونها، وأنهم أعداء تاريخيون للعرب والمسلمين يستحيل أن يتخلوا عن عدائهم. والخلاصة شاب جانبا من جوانب الثقافة الشعبية الأوروبية موقف مسبق عن الدين الإسلامي والثقافة العربية وسلم القيم والتقاليد العربية والإسلامية، ولم تبذل جهود كافية للتربية والتثقيف والإعلام عن هذه الجوانب في إطارها التاريخي وشرطها الموضوعي حتى الآن بجدية ومسئولية ما أدى إلى تكريس حذر الشعوب الأوروبية من العرب أو على الأقل إغلاق الأبواب أمام احتمالات فهم ثقافتهم وتقاليدهم. وبالمقابل افترضت الشعوب العربية أن الاستعمار الأوروبي ممثل حقيقي للشعوب الأوروبية بمجملها وليس لفئة استعمارية منها أو شريحة من شرائحها، وبالتالي فقد ألقيت الأعباء على الشعوب نفسها، ولم تنفع أطروحات النهضويين والعقلانيين العرب في إقناع شعوبهم بالتفريق بين أوروبا الاستعمارية وبين قيم شعوب أوروبا وخصوصا في مجالات العلم والحضارة والثقافة والحرية والعدالة والمساواة، وهكذا انتفى في أعماق ثقافة الشعوب العربية إمكان وجدية وشفافية وصدق إقامة أي حوار أو تعاون في سبيل انفتاح جدي يتجاوز الحذر المتراكم.

ثالثا: المنطلقات

1- إن الحوار ليس ضروريا فقط بل ممكن وقابل للتحقيق. 2- إن كلامن الشعوب العربية والأوروبية بحاجة ماسة بعضها للبعض الآخر، وعقد التعاون معها في مختلف المجالات لأن مصالح الجميع "متعددة الجوانب" تقتضي مثل هذا التعاون. 3- إن علاقات التاريخ والجغرافيا والخبرات المتراكمة في التواصل بين هذه الشعوب والصراع الثقافي والتبادل الاقتصادي وغيرها التي تمت في مراحل تاريخية سابقة أسست لمثل هذا التعاون سواء منها ذات النتائج والمنعكسات الإيجابية أم السلبية. 4- إن التطورات العالمية في العقدين الأخيرين تقتضي تعزيز التعاون الإقليمي لا لمعاداة التكتلات الأخرى وإنما لتحقيق مصالح المتعاونين ورفع مستوى حياة الشعوب وتعزيز التعايش والسلم العالميين. 5- لابد من البحث عن أرضية مشتركة وآليات حوار وتفاهم بين الشعوب العربية والأوروبية وطرق اتصال وتواصل عدة وواسعة.

رابعا: مقترحات في مجال الثقافة والإعلام

1- إن الحوار والاحترام المتبادلين بين ثقافات الشعوب العربية والأوروبية وأديانها هما من الشروط الضرورية لتقارب الشعوب. 2- ضرورة الاهتمام الجاد من قبل وسائل الإعلام والثقافة العربية والأوروبية بمواجهة الصورة النمطية التي تشكلت مسبقا مواجهة مسئولة وعدم اعتبار الماضي سوء تفاهم فقط وإنما أيضا حصيلة مواقف تشكلت تاريخيا وتجذرت لدى كل منها، وليس المهم الآن تحديد المسئولية بل العمل على تغيير هذه الصورة وإزالتها، وإيجاد أرض مشتركة وآليات تفاهم جديدة ومناخ وتربية ثقافية أكثر جدوى مما هو عليه الحال الآن. 3- ينبغي أن تنطلق وسائل الإعلام والثقافة لدى الشعوب الأوروبية من رفض مفهوم عدم التكافؤ بين الطرفين، الذي تكرس تاريخيا واستطرادا رفض فكرة التبعية والهيمنة والعمل الدؤوب لإحلال القناعة لدى الرأي العام بالندية والتكافؤ واحترام الآخر والقبول بثقافته وتقاليده فمن الصعب إيجاد حوار بين طرفين لا يقتنع أحدهما بتكافؤ الآخر معه. 4- العمل الدؤوب من قبل وسائل الإعلام والثقافة لدى شعوب الطرفين لنزع الصورة المشوهة الموجودة الآن عن الآخر في الكتب المدرسية لدى كل منهما وفي الفكر والفن والأدب الشعبي وفي وسائل الإعلام والثقافة نفسها. 5- أن تعمل وسائل الإعلام والثقافة العربية على نزع الصورة لدى شعوبها التي تخلط بين التاريخ الاستعماري الأوروبي وبين قيم الشعوب الأوروبية، وبين هذا التاريخ والواقع الحالي، وأن تهتم لدى استعادة التاريخ بأخذ العبر منه لا تصفية الحساب مع الآخرين، وأن تواجه المتلقي العربي بالتخلص من أثقال الماضي وتأثيره على صورة الشعوب الأوروبية والبحث عن النقاط المضيئة والإيجابية، والتأكيد على أننا جميعا أمام مرحلة جديدة تقتضي التعاون وتقع في إطار المصير المشترك. 6- أن تعزف وسائل الإعلام والثقافة العربية عن مطالبة مثيلاتها الأوروبية بالتبني المطلق للقضايا العربية والإسلامية، وأن تقتصر مطالبها على أن تتبنى تلك الوسائل مواقف موضوعية وتغطية ملتزمة بالمنهجية العلمية والتقاليد الإعلامية والثقافية. 7- من المهم أن توضح الدول الأوروبية استراتيجياتها الثقافية وسياساتها تجاه العرب والمسلمين، وان تتخذ موقفا جديدا من الفكر الاستشراقي، وتطور موقفها من القضية الفلسطينية وتبعاتها، وتترجم هذه الاستراتيجيات إلى برامج، ما يحرض وسائل الإعلام والثقافة لانطلاقة جديدة ويشكل قطيعة تاريخية مع الموقف المسبق السابق، ويعطي مفهوما جديدا للخطاب الإعلامي والثقافي. 8- تشجيع التبادل الثقافي والإعلامي بين الشعوب العربية والأوروبية، والمساهمة في التعريف باللغات ومعرفتها واحترام الهوية الثقافية، والعمل على التطوير المستديم للبرامج التربوية في هذا الإطار، وتسهيل اللقاءات الإنسانية، وتحقيق التفاعل بين وسائل الإعلام والثقافة والقائمين عليها.

خامسا: مقترحات في مجال التربية

1- ينبغي تعديل المناهج والكتب المدرسية المعمول بها لدى البلدان الأوروبية والعربية، بهدف إزالة الصورة النمطية المشوهة الموجودة في ثقافة كل منها عن الآخر، وتسليط الضوء النقدي على أسباب تشكل هذه الصورة، والعمل على إحلال صورة أخرى في إطار منطلقات جديدة أكثر واقعية وإيجابية ودقة في الكتب المدرسية والفن والأدب الشعبي ومختلف جوانب النشاطات الإنسانية. 2- إزالة المفاهيم الخاطئة في المناهج والكتب المدرسية لدى كل طرف عن الطرف الآخر وخصوصا مزاعم عدم التكافؤ، وتأكيد قيم الندية والاحترام والقبول بثقافة الآخر وتقاليده وقيمه وفهم همومه واهتماماته، ومحاولة غرس مفاهيم جديدة في نفوس المتعلمين عن العرب والإسلام واقعية وموضوعية وعادلة بعيدة عن مطامع الهيمنة والتبعية. 3- تعديل المناهج والكتب المدرسية في البلدان العربية لإزالة الخلط القائم حاليا بين التاريخ الاستعماري الأوروبي وبين قيم الشعوب الأوروبية، وبين هذا التاريخ والواقع الحالي، وأن تهتم بإجراء دراسة نقدية للتاريخ لأخذ العبر لا لتصفية الحساب، وأن تعمل لتخليص الناشئة العربية من أثقال الماضي، وتبحث عن نقاط إيجابية في العلاقة بين الطرفين وخصوصا أن الجميع يبحث عن التعاون والشراكة. 4- أن تساهم المدارس "والمنظومة التربوية كلها مناهج وكتبا وطرائق تربية ووسائل تدريس" بالتعريف باللغات الأخرى بشكل جاد وفعال ودؤوب باعتبار أن اللغة هي وسيلة اتصال رئيسية. 5- عقد علاقة اتصالية بين المدارس "تعاون، وتوأمة... الخ" وتبادل النشرات الصادرة عن هذه المدارس، وإطلاع كل منها على نشاطات الأخرى الصفية واللاصفية وأنظمتها وآليات عملها. 6- تبادل الرحلات بين مجموعات من طلاب المدارس لدى الجانبين بهدف التواصل والتعرف على مدارس الآخر وآلية عملها وعلاقتها بوسطها، وفي الوقت نفسه التعرف على تقاليد وعادات وقيم ونمط عيش المجتمع الذي تقع فيه هذه المدارس. 7- تبادل زيارات الطلاب بين المدارس خلال العطل ورعايتهم من الطرف المضيف، وتواصلهم مع طلاب هذا الطرف وتكثيف النشاط المشترك بين الطلاب. 8- تبادل زيارات المدرسين والمشاركين في وضع المناهج للاطلاع على المناهج والكتب وطرائق التربية وأساليبها لدى الطرف الآخر، فضلا عن تبادل التجارب والخبرات. 9- استضافة مدرسين في المواد الإنسانية لإلقاء دروس ومحاضرات على المتعلمين عن قضايا المجتمع الذي ينتمي إليه المدرس: تاريخه، ثقافته، قيمه، مفاهيمه، ظروفه السياسية والاجتماعية، هموم مجتمعه، صعوباته، تجاربه، خصوصيته، ظروفه... الخ. 10- عقد دورات تدريبية للمدرسين وللمشاركين في وضع المناهج تتناول آفاق التعاون بين شعوب المنطقتين، وأهمية الحوار والشراكة، ودراسة مدى نجاح المناهج والكتب في تحقيق أهداف التعاون والتفاهم والشراكة. 11- عقد ندوات مشتركة بين اللجان الوطنية للاتفاق على التطوير المستديم للمناهج التربوية والكتب، وتضمينها الأسس الجديدة للسياسات المطلوبة. 12- الاستفادة من شبكة المعلومات وتوظيفها للتواصل بين المدارس والمؤسسات التربوية.

العدد 1169 - الخميس 17 نوفمبر 2005م الموافق 15 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً