على اثر مقتل جندي ألماني في انفجار بمدينة كابل استهدف سيارة عسكرية تابعة إلى قوات حفظ السلام الدولية التي تشارك فيها ألمانيا عاد الحديث في ألمانيا عن الوضع الأمني في أفغانستان، وخصوصا على ضوء تنامي التفجيرات التي تستهدف القوات الدولية. ولعل أكثر ما يثير قلق المسئولين الألمان هو تبني الطالبان مسئولية التفجير الأخير هناك. بعد أربع سنوات على نهاية حكم الطالبان عاد هؤلاء ليصبحوا من جديد مصدر العنف الأفغاني. رسميا فإن عملية السلام في أفغانستان التي تم الاتفاق عليها في إعلان بون الشهير، تمت بالكامل بإعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في 18 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعليه أصبحت أفغانستان حرة ذات بنية ديمقراطية. غير أن الاستقرار الأمني والسياسي مازالا على الورق فقط ومن دون مساهمات سياسية من الولايات المتحدة ووجود عسكري للقوات الدولية، يتهدد هذا البلد خطر الغرق في الفوضى والحرب الأهلية. ويعكس العدد المنخفض للناخبين في الانتخابات البرلمانية تراجعا كبيرا في ثقة المواطنين الأفغان بالسياسة. وكانت فئات واسعة من الشعب الأفغاني قاطعت انتخابات الرئاسة التي جرت في العام الماضي وأوضحت بذلك عدم ثقتها بالنظام السياسي الذي يرونه مواليا ومسيرا من قبل الغرب. الفئات الأكثر رفضا للنظام السياسي الجديد هم الطالبان الذين أجبروا على الفرار وترك السلطة. ويلاحظ أنهم أعادوا ترتيب صفوفهم من جديد، ولتزداد نشاطاتهم العسكرية منذ مطلع العام الجاري. وقبل أيام قليلة تحدوا الرئيس حامد قرضاي حين رفضوا دعوته لهم بوقف أعمال العنف وعقد الوفاق والصلح والمشاركة في عملية السلام. وقد كان جواب الطالبان الإصرار على مواصلة الجهاد والمقاومة "ضد المحتلين الأميركان وحكومة المرتزقة" على حد تعبير متحدث باسمهم، معتبرا ذلك الخيار الوحيد.
ما قوة الطالبان؟
يقول البعض إنهم استعادوا قوتهم السابقة، وهم يعبرون عن ذلك بوضوح من خلال الهجمات التي يشنونها في الجنوب، إذ تتمركز قوات عسكرية دولية نشطة في ملاحقة الطالبان و"القاعدة". ففي هذه المناطق سقط 50 جنديا أميركيا في معارك مع الطالبان منذ يناير/ كانون الثاني الماضي. يزيد هذا العدد على عدد الجنود الأميركيين الذين قتلوا في أفغانستان خلال العامين 2003 و.2004 وإضافة إلى ذلك بلغ عدد ضحايا العنف في الأشهر العشرة الماضية 1400 من مدنيين وموظفين يعملون في خدمة منظمات مساعدة وقوى أمن، فيما بدأ الطالبان الآن يركزون هجماتهم ضد القوات الدولية المتعددة الجنسيات "ISAF". ولاشك أن الاعتداء الذي استهدف قوات ةسءئ الأسبوع الماضي سيفجر مناقشات جديدة عن جدوى أو عدم جدوى توسيع مهمات القوات الدولية في أفغانستان. فبعض ممثلي الدول المشاركة في مهمة حفظ السلام في أفغانستان تجد صعوبة بالغة في قبول الوضع المتأزم والتزام الصمت لأن القوات الدولية ليست مخولة شن هجمات في المناطق الحدودية مع باكستان، والسؤال المطروح: كيف يمكن لها في ظل الوضع الحالي السيطرة على الوضع؟ مازال في هذه المناطق 20 ألف جندي أميركي يعملون في إطار عملية لىه ئممل لكن خلال الأشهر الستة الأولى من العام المقبل، ووفقا لرغبة حلف شمال الأطلسي، سيحل مكان الجنود الأميركيين جنود أقل قدرة وتسليحا من جنود ةسءئ. ويشعر المسئولون في كابل وخارجها بقلق كبير بسبب زيادة هجمات طالبان، وقد نقل عن مسئول كبير في هيئة الأمم المتحدة قوله: "لقد كان وهما أننا ظننا أن مقاومة طالبان استنفدت". والسؤال الكبير: هل بوسع القوات الدولية مواجهة الوضع الخطير الجديد؟ منذ وقت بدأت الهجمات والتفجيرات تقع في مختلف أنحاء أفغانستان، كذلك في الشمال والغرب إذ سيجرى في العام المقبل نشر قوات ألمانية جديدة في إطار مهمة ةسءئ لغرض توفير الأمن والاستقرار. في الجنوب تتعرض القوات الدولية تحت القيادة العسكرية البريطانية لهجمات مستمرة. كما يشكو الرئيس قرضاي منذ وقت من أن المتمردين يهرعون بعد تنفيذ ضرباتهم للاحتماء في مناطق جبلية وعرة محاذية للحدود مع باكستان. وتشك كابل في أن بعض عملاء الاستخبارات الباكستانية الذين ساندوا طالبان في السابق يوفرون الدعم من جديد لهم. ويقول محللون ان واشنطن نفسها لم تفلح في إقناع الرئيس الباكستاني برويز مشرف بأن يسعى إلى إسكات الإسلاميين البشتون الذين يختبئون داخل الحدود الباكستانية، وينطلقون منها لمهاجمة القوات الدولية التي تعتبر حاليا الطرف الضعيف لأنها عاجزة عن إسماع صوتها السياسي للحكومة الباكستانية.
العدد 1169 - الخميس 17 نوفمبر 2005م الموافق 15 شوال 1426هـ