كانت الحافلة تقل عددا من المعتمرين البحرينيين باتجاه الطائف، في طريقهم لدخول مكة المكرمة. غادرت الحملة جسر البحرين - السعودية، يوم الأربعاء الثاني من نوفمبر الجاري، عند الساعة الثالثة ظهرا، وتوقفت في إحدى محطات الاستراحة مع أذان المغرب، لتناول الإفطار وأداء الصلاة. لم تكن حينها الأمور قد اتضحت بطبيعة الحال بشأن رؤية الهلال، لأن الهلال لا يخرج في بلادنا إلا بعد منتصف الليل! بعد ساعة ونصف الساعة من الاستراحة، واصلت القافلة المسير، ولما تجاوزت العاصمة السعودية "الرياض"، بدأ بعض المسافرين يتلقون "مسجات" على هواتفهم النقالة، من أهاليهم وأصدقائهم بشأن الهلال. أول مسج كان من إحدى الزميلات تبارك حلول العيد: "لكم السلام النفسي وفضاء المحبة والندى والورد والياسمين، لكم أجمل الأعياد". تبعها مسج من زميل آخر: "يكون العيد ذهبيا عندما نقترب من فهم الحياة انها للجميع. أسعد الله أيامكم". وكان المسج الثالث من أحد المصارف! وهكذا استمرت التهاني تتقاطر على الهاتف النقال حتى الساعة العاشرة والنصف، إذ وصل مسج يقول: "90 في المئة بكرة عيد، وكل عام وينعاد عليكم العيد". ولأن المسج الأخير كان يحمل نوعا من التشكيك، اتصل أحدهم بالبحرين للسؤال عن الهلال، فأجابوه أن هناك 36 شاهدا على رؤية الهلال. وأجرى آخر مكالمة مع أحد رجال الدين، فقال انه لم يصدر بيان عن العلماء يؤكد العيد حتى الآن. وعزز ذلك مسج جديد من شخص آخر: "ثبت العيد غدا، متباركين، بس كالعادة، العيد عندنا عيدان"! وكان توقيت ارسالها 1,37 دقيقة بعد منتصف الليل. هذه الطمأنينة الكاذبة استمرت حوالي نصف ساعة فقط، ليصل مسج جديد يقول: "بكرة مو عيد، وانما تكملة رمضان. تصبحون على خير"! طبعا المسافرون أصبحوا في "قرن المنازل"، في الطائف، إذ اغتسلوا هناك ولبسوا الإحرام للعمرة وأدوا صلاة الفجر، وانطلقوا باتجاه مكة المكرمة، ليدخلوها ضحى وليؤدوا مناسك العمرة. ولم يكن يهمهم إطلاقا ثبت العيد في البحرين أم لم يثبت، لأنهم على كل حال مسافرون مفطرون! في اليوم التالي، تلقوا مكالمات أكدت حال الانقسام بشأن هلال العيد، فالعيد أصبح أكثر من عيد، ليس على مستوى الوطن فحسب بل حتى على مستوى البيت الواحد! واليوم الذي أراده الله للمسلمين عيدا، ولمحمد "ص" ذخرا وشرفا وكرامة ومزيدا، أصبح يوم فرقة وشتات! في الأيام التالية استمرت الاتصالات، واستمر وصول "المسجات"، من زملاء وأصدقاء ومعارف، آخرها كان من زميلة انجليزية مسيحية تتحلى بالكثير من دماثة الأخلاق، لم تنس بعض زملائها المسلمين في يوم عيدهم فأحبت أن تشاركهم التعبير عن مشاركتها لهم فرحة العيد. المسج صاغته حسب مفاهيمها بالعبارة الآتية: "أدعو أن تحميك الملائكة، وتبتعد عنك الأحزان، ويحيطك التوفيق والفرحة، وأن يرحمكم الله دائما. عيد مبارك". طبعا لم تكن زميلة العمل السابقة تعلم أن عيدنا أصبح ثلاثة أعياد، وإلا كان عليها أن تتحرى أولا في أية "فرقة" يقع زملاؤها قبل أن ترسل إليهم المسجات!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1169 - الخميس 17 نوفمبر 2005م الموافق 15 شوال 1426هـ