الاسبان كانوا يعتقدون أن سكان أميركا الجنوبية "متوحشون"، لذلك كانوا يقتلونهم ويرمونهم في البحر، واعتقد الاسبان أنهم بالمراقبة المستمرة للجثث سيتأكدون من أن أجسام الأميركيين قابلة للتحلل أو لا؟! لذلك كانت الكثير من الصحف البحرينية تتعامل مع ظاهرة "تجمع نسبة كبيرة من شعب البحرين" كونها مجرد حركة أو تجمع بربري متوحش! حين نصف الآخر بالبربري، فإننا نحتاج أن نكون برابرة، وحين نصفهم بالتوحش، فنحن لا نغادر حقيقة أننا في قمة التوحش. هذه الصورة الشنيعة والمقززة إذا ما أسقطناها على ما كتبه "عواجيز الإعلام والصحافة البحرينية" عن بربرية وهمجية من تظاهروا في مظاهرة المجلس العلمائي نجد أننا في البحرين نمتلك قائمة طويلة من البرابرة والمتوحشين. إذا كان أرباب التنوير والليبرالية الجديدة والإعلام القومي المسئول عن الدفاع عن العراق وصدام حسين، الجرذ المستخرج من حفر الأرض يعانون من ضائقة تاريخية سببها بربرية أبناء هذه الأرض، فلماذا لا يرحلون بهدوء؟ وإذا كانت الحال على ما يبدو لن تتغير في غضون سنة أو سنوات، فلماذا لا يسارعون إلى سلوك بربريتهم الحقيقية خارج البحرين، فنداء القومية العربية يناديهم في كل قطر عربي محتل، بأن يقدموا أنفسهم "شهداء العروبة والمقاومة"، وإني لعلى يقين لو أنهم أعلنوا قبول هذا الخيار، فإن أبناء هذه الأرض سيقدمون لهم كل التسهيلات المادية التي تساعدهم على الوصول إلى بغداد حيث قبرت أحلامهم، ليقبروا، فنرتاح ويرتاحوا. كنت قد ذهبت أكثر من مرة إلى تهميش "عواجيز الإعلام"، وإلى عدم الاعتراف بأية تفاهة إعلامية يحلو للبعض أن يسميها بالتجارب الإعلامية البحرينية الناجحة في التاريخ الصحافي البحريني، ولا أنكر استغرابي الشديد حين يتحدث البعض عن صحف مغمورة وتجارب مسحوقة يصفونها بالتاريخ المشرف للصحافة في البحرين. الواقع يقول ان صحافة البحرين بدأت منذ ميثاق العمل الوطني والمرحلة الإصلاحية لجلالة الملك، وليس ثمة معكر بربري لهذه التجربة الرائدة سوى "عواجيز الإعلام" الباقين على بربريتهم. هؤلاء الشرذمة من الإعلاميين، مضافا لهم أولئك الطامحون الصغار لشراء أقلامهم وعناوين تغطياتهم وأخبارهم الصحافية هم ببساطة علة الصحافة البحرينية ومقتلها. ولابد من طرح خيار الهجرة بجدية، لأن من يعيش مع البرابرة ويكتب لهم ويسمع منهم، لا يخلو في حقيقته من بربرية! وعيب على هؤلاء العواجيز أن ينتقدوا فعلا ويأتون بمثله. من زاوية أخرى، خطاب المعارضة، وخصوصا في المظاهرات والاعتصامات يركز على أن الصحافة تتعمد في كثير من الأوقات تهميش نشاطاتهم، وتقليل أعدادهم، ومن الواجب توضيح نقطة مهمة وجوهرية، ليست الصحافة المحلية "جهاز علاقات عامة للمعارضة"، كما انها طبعا ليست "جهاز علاقات عامة حكومية"، لا شأن للصحافة المدنية بأي منهما، ويستطيع كل طرف من الطرفين صناعة إعلامه بنفسه. لا تقتضي مهنية الصحافة أن تخصص صحفنا المحلية صفحاتها جميعا لتغطية ما فعلته المعارضة، وما صرحت به المعارضة، وما آخر أخبار المعارضة، وليست المهنية طبعا تهميش خروج ذلك العدد الضخم في تظاهرة المجلس العلمائي حد الاستخفاف به، أو وصف من كانوا فيه بالبرابرة والهمج الرعاع. إن من توجهوا نحو هذا الرهان الغبي من الصحافيين وأسيادهم البرامكة أو مرضى الإرهاب القومي هم ببساطة من راهنوا على أي من الخيارين التاريخيين الغبيين "صحافة حكومية" و"صحافة معارضة"، ولا يخلو هذا الأمر أيضا من بربرية. المضحك في الأمر، أن الصحف القادمة تسرب بما يدعو للاطمئنان أنها تتلقى دعما لوجستيا ومعنويا من قبل الدولة، الظاهر لنا حتى الآن، أن الدولة أصابها نوع من الملل والاقتناع بأن تواريخ الصلاحية لـ "عواجيز الصحافة البحرينية" قد قربت، فماذا هم فاعلون؟ نقول العراق لكم خيار، وكل شرف يهون أمام شرف مقاومة المحتل، ولا يخلو الأمر من لدنا من إظهار نوع من "الشماتة".
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1168 - الأربعاء 16 نوفمبر 2005م الموافق 14 شوال 1426هـ