حملة الاتهامات التي أطلقها قادة من الحكومة العراقية ضد سورية أثارت أسئلة بشأن توقيتها وأهدافها السياسية. فالاتهامات أطلقت بعد تلك التفجيرات الارهابية التي استهدفت ثلاثة فنادق أردنية وأودت بحياة عشرات الابرياء. كذلك جاءت في سياق حملة دولية تقودها الولايات المتحدة ضد دمشق بذريعة عدم تعاونها مع لجنة التحقيق في جريمة الاغتيال. موضوع الاتهامات لا يمكن عزله عن تلك الاجواء الدولية ومحاولات واشنطن عزل سورية عن محيطها الاقليمي والتركيز على دورها في زعزعة استقرار المنطقة. الولايات المتحدة تريد كسب الوقت وتزوير الوقائع تمهيدا لقلب الطاولة والاطاحة بالمعادلات التي استقرت نسبيا في الدول المجاورة للعراق. فالإدارة الأميركية تدرك تماما ان احتلال العراق هو الذي أدى الى نشر الفوضى وتصدير الارهاب وزعزعة الاستقرار. وهي تعلم ايضا ان سياسة التقويض التي هددت بها المنطقة باسم إعادة هيكلة دولها لتتناسب في الشكل والمضمون مع مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، هي التي تقف وراء كل تلك التفجيرات المتنقلة من العراق الى خارجه ومن الخارج الى العراق. الفوضى العامة التي قوضت دولة الرافدين وتهدد بتقويض استقرار المنطقة بدأت في اللحظة التي أعلنت فيها الولايات المتحدة الحرب على العرب والعالم الإسلامي تحت شعار ملاحقة خلايا الإرهاب التابعة لتنظيم "القاعدة". وهذه التعبئة الدولية ضد المنطقة اسهمت في زرع بذور العنف واطلاق سراحه من أفغانستان لينتشر في مختلف البقاع حتى يشكل ذريعة سياسية لحروب بوش الدائمة. الاحتلال هو المسبب لكل المشكلات والولايات المتحدة تتحمل المسئولية الأولى والمباشرة عن تلك التداعيات التي نجمت عن حروب واشنطن التدميرية التي حطمت ما هو قائم ولم تفعل الكثير لإعادة بناء ما قوضته. فالمسئولية تبدأ من هذه الزاوية وكل قراءة مخالفة هي محاولة لتزوير الوقائع وتدوير المشكلات وتحويلها من جهة إلى أخرى. الافعال الارهابية التي ترتكب في العراق تتحمل مسئوليتها السياسية والقانونية قوات الاحتلال اضافة الى انها تشوه سمعة المقاومة وحق الشعب العراقي في الدفاع عن نفسه وايضا تعطي شرعية لبقاء الاحتلال واستمراره في بلاد الرافدين. كذلك تشكل تلك الفوضى ذريعة لإدارة واشنطن لتبرير توسيع رقعة الحرب اذا اقتضت الضرورة. وما حصل في الأردن يفسر الى حد كبير الدور الاميركي في التغاضي عن مراقبة الحدود الاقليمية وترك المناطق مفتوحة ومن دون حراسة لتسهيل تسرب المجموعات وتسلل الخلايا وتنفيذ اعمال تعطي فرصة للولايات المتحدة لاتهام غيرها بالوقوف خلف تلك الجرائم ضد الانسانية. الحملة الرسمية التي شنها بعض رجال الحكومة العراقية ضد سورية واتهامها بأنها تقف وراء تلك الأفعال الاجرامية ما كانت تتم لولا وجود اشارات أميركية بهذا الخصوص. والتصريحات التي اطلقت من الدليمي إلى الربيعي جاءت بناء على تعليمات الاحتلال وفي سياق خطة مدروسة تحاول التغطية على دور عراقي في مسألة زعزعة أمن الأردن وبث الاضطراب السياسي في ساحته. فالخلايا التي ضربت الفنادق في عمان جاءت من العراق الواقع تحت الاحتلال وهذا يعني بلغة القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة ان الولايات المتحدة تتحمل المسئولية المعنوية والسياسية وهي الطرف المتهم بإدارة الفوضى ونشرها من بلاد الرافدين إلى خارجها. حملة الافتراء ليست بريئة ولا يمكن عزلها عن تلك الاجواء الدولية، كذلك من الصعب قراءة اهدافها السياسية خارج الاطار العام الذي ولده الاحتلال الأميركي. فالحملة متصلة بالتوقيت ويراد من توظيفها السياسي التشويش وشد الانتباه عن الطرف المسئول مباشرة أو مداورة في التسبب في نشر كل هذه الفوضى في المناطق المجاورة أو المحيطة بالعراق. بلاد الرافدين الآن لم تعد تلك المنطقة التي تجذب المقاتلين من كل البلدان للمشاركة في الحرب ضد الاحتلال وانما تحولت الى محطة لتصدير تلك الشبكات والخلايا الى دول الجوار لزرع الاضطراب وزعزعة استقرارها. ولهذا السبب تحركت تلك الحملة وفي وقت محدد ضد دمشق لتضليل الرأي العام والتشويش عليه وتغطية الفاعل الذي يتحمل مسئولية ما حصل في عمان
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1168 - الأربعاء 16 نوفمبر 2005م الموافق 14 شوال 1426هـ