العدد 1167 - الثلثاء 15 نوفمبر 2005م الموافق 13 شوال 1426هـ

التنمية اللامستدامة... من مواردنا الطبيعية والبشرية

ماجد كاظم البلادي comments [at] alwasatnews.com

-

في المؤتمر الموازي لمنتدى المستقبل وفي الجلسة التي خصصت لمحور التنمية المستدامة "8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005" لم يقتصر النقاش على التنمية المستدامة بمفهومها الأكاديمي الذي يتعلق بدراسة البيئة وإدارة الموارد الطبيعية، بل اتسع هذا المحور ربما بسبب تسميته التنمية المستدامة "الشاملة" ليشمل موضوعات تنموية أخرى تتعلق بالمجتمع المدني والحكم الصالح وموضوعات أخرى لها علاقة بالتنمية السياسية أكثر من علاقتها بالتنمية المستدامة. ويجسد ذلك ما جاء في النقاش الساخن بشأن استغلال الدين من قبل الحكومات لنشر الظلامية وغير ذلك من الموضوعات التي لا يتسع لذكرها هذا المقال. ولذلك، سنتناول التعريف الأكاديمي للتنمية المستدامة، ثم التطرق إلى تقييم الوضع الراهن في مملكة البحرين مقارنة بما هو مطلوب لتطبيق مبادئ التنمية المستدامة من قبل المعنيين بالتخطيط والتشريع والإدارة العامة في المملكة.

إدارة الموارد الطبيعية

NATURAL RESOURCES MANAGEMENT علم حديث يعنى بشئون حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية وترشيد استخدامها. وتولي الدول المتقدمة والنامية اهتماما كبيرا لهذا المجال العلمي حتى أصبح من أهم العلوم الإدارية التي تدرس في الكثير من جامعات العالم، وتمنح لدارسيها درجات علمية عليا تصل إلى الماجستير والدكتوراه. ومن بين المواد الأساسية التي يحتويها المنهج الدراسي لهذا التخصص ما يعرف بالتنمية المستدامة SUSTAINABLE DEVELOPMENT، وتعني الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والمحافظة عليها والاستفادة منها بطريقة لا تحرم الأجيال القادمة أيضا من حق الاستفادة منها. وهذا التعريف ورد كشعار لمؤتمر الأمم المتحدة، أو "قمة الأرض" بشأن البيئة الذي عقد في ريودي جانيرو بالبرازيل في العام .1992 وكانت البحرين إحدى الدول التي شاركت فيه، ونتج عنه ما يسمى بأجندة رقم 21 التي تتضمن خطة شاملة لتحقيق التنمية المستدامة في القرن الحادي والعشرين تحت الشعار الذي تبنته الدول المشاركة: DEVELOPMENT THAT MEETS THE NEEDS OF THE PRESENT WITHOUT COMPROMISING THE ABILITY OF FUTURE GENERATIONS TO MEET THEIR OWN NEEDS. وذلك يعني أن استنزاف الموارد الطبيعية بطريقة غير مدروسة تبنى على احتياجات وقتية قصيرة المدى تؤدي إلى نضوبها وحرمان أجيال متعاقبة من أبنائنا وأحفادنا من حقهم فيها. إن توظيف ما تجنيه الدول من ثمار مواردها في أمور لا تساهم في تحقيق تنمية مستدامة يعتبر إجحافا عظيما في حق الأجيال القادمة وحق أوطانهم، وذلك ينطبق على إيرادات النفط التي تشهد ارتفاعا لم يسبق له مثيل، إذ تراوح سعر برميل النفط الخام حديثا بين 58 و62 دولارا أميركيا، مقارنة بثلاثين دولارا فقط للبرميل في إيرادات الموازنة العامة لمملكتنا للعامين 2005 - ،2006 أي ما يقارب نصف السعر الفعلي. ولذلك، فالسؤال الذي يطرح نفسه: إلى أين يوجه هذا الفائض الكبير في إيراد النفط؟ هل من الحكمة أن يستخدم لتغطية العجز في الموازنة وتسديد الديون وكلفة خدمة الدين الحكومي والصرف على المشروعات غير المستدامة التي لا تخضع للدراسة المتكاملة لتحديد أولوياتها، وذلك ما جاء في التقرير السنوي الثاني للرقابة المالية، والذي أشار إلى ضعف إعداد وتنفيذ ومتابعة موازنة المشروعات الحكومية وعدم وجود معايير وأسس لدى وزارة المالية والوزارات الأخرى لتحديد أولويات للمشروعات التي تدرج ضمن خطط التنمية للمملكة؟ يتوقع خبراء الطاقة ومن بينهم وزير النفط السعودي السابق أحمد زكي يماني وهو رئيس لأحد مراكز الدراسات الاستراتيجية للطاقة حاليا في تعليق له على أسعار النفط على قناة العربية بأن أسعار النفط لن تستمر في مستوى ارتفاعها الحالي وستنحسر آجلا، وأن الدول المنتجة للنفط يجب أن تستغل هذه الطفرة المؤقتة في الأسعار للاستثمار في تنمية مواردها البشرية. إن الاستثمار في العنصر البشري من أهم مقومات التنمية، وبلا شك فإن خطة التوظيف التي أعلنتها وزارة العمل حديثا خطوة إيجابية في طريق التنمية البشرية ولكن نأمل أن تدعم وتطور لتصبح خطة وطنية طويلة المدى ضمن استراتيجية شاملة توضع للقطاعين العام والخاص من أجل تحقيق تنمية مستدامة بجميع جوانبها، ولدى وزارة التخطيط المزمع إنشاؤها دور حيوي إلى جانب مجلس التنمية الاقتصادية في رسم وتفعيل مثل هذه الخطط والاستراتيجيات الوطنية. ويجب أن تحظى التنمية المستدامة بما تستحقه من اهتمام أكاديمي في جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية إذا أردنا أن ينعكس ذلك إيجابيا من الناحية التطبيقية على أداء أجهزتنا الحكومية التي تفتقر إلى الأساليب الحديثة في التخطيط والبرمجة في الكثير من المجالات، وأهمها تنمية مواردنا البشرية والطبيعية. فأين التنمية المستدامة من شواطئنا ومياهنا التي هي من أهم ثرواتنا ومواردنا الطبيعية والتي تزحف عليها آفة الاستملاك والبنيان الجائر، ناهيك عن غياب التشريعات الوطنية التي تعنى بها؟ إن التنمية المستدامة علم وفلسفة وطريقة تفكير ينظر من خلالها إلى الإنسان وكل ما يتعلق بحياته وحياة الكائنات الأخرى وجميع العوامل الكونية من منظور شامل يسمى البيئة، ومن واجب الأمم تأهيل وإعداد أبنائها للمشاركة في إرساء وتطوير خطط التنمية المستدامة. ولا يمكن تحقيق ذلك من دون أن توفر الدول لمواطنيها سبل الحصول على مستوى مقبول من المعيشة والحياة الكريمة. عندها يتمكن الفرد من تطوير حياته والاهتمام بالبيئة المحيطة والمساهمة في خدمة مجتمعه ووطنه. أما إذا كان الفرد مثقلا بهموم الحصول على احتياجاته من أساسيات العيش ومصدر الرزق "وهذا منظر مألوف في مملكتنا" فلن يأبه بما يحدث لطبقة الأوزون وتلوث الجو بثاني أكسيد الكربون والتصحر وانقراض الكائنات البرية والبحرية وتلوث المياه الإقليمية وغيرها من أمور البيئة. عودة إلى المؤتمر الموازي لمنتدى المستقبل في محور التنمية المستدامة، إذ جاء في قائمة التوصيات، التوصية الرابعة عشرة: إن الموارد الطبيعية والأراضي والسواحل والمياه الإقليمية هي للشعوب، ويجب على الدول حمايتها من المتنفذين والتصرف بها للمصلحة العامة. وجاء في التوصية الخامسة عشرة والأخيرة، وهي محور هذا المقال بشأن أهمية الاستثمار في العنصر البشري: تأكيد حق المواطن في العيش الكريم وتلبية جميع احتياجاته المادية والمعنوية ومراعاة الفئات الضعيفة في المجتمع. نأمل أن يعي أهمية التنمية المستدامة بعض نوابنا "المنتخبين" وبعض أعضاء الشورى الخبراء "المعينين" وممثلي حكومتنا "المخططين"، وأقترح أن يبدأوا باقتناء أي كتاب عن المدخل للتنمية المستدامة أو زيارة الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة: www.un.org/esa/sustdev

العدد 1167 - الثلثاء 15 نوفمبر 2005م الموافق 13 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً