ظلت الجمعيات الإسلامية ردحا من الزمن محصورة في نطاق قرابي ضيق وكأنها تعيش حالا من العزلة السياسية والاجتماعية عن الناس. وطبعا ليس المقصود بهذه العزلة التقصير عن توصيل المساعدات الخيرية - حاشانا القول بذلك - بل المقصود عدم الانفكاك القرابي للتنظيم، وانغلاقه على مجموعة صغيرة، على رغم عالمية التنظيم، وعلانية الدعوة والتنظيم وأريحية العمل في مناخ البحرين بالنسبة إلى التنظيمات الإسلامية... فلماذا هذا الانغلاق؟ ولماذا انكفاؤها على نفسها، واكتفاؤها بأعضائها فقط؟ العمل السياسي شعبي/ جماهيري بالدرجة الأساس وليس نخبويا قرابيا، ولعل هذا عنصر مشترك بين التنظيمات الإسلامية في البحرين بمختلف أطيافها، فالأخ والصهر وابن العم وابن الخالة وهكذا قرابية محدودة، وليس من الصعب على الباحث توثيقها بالاسماء...! نجد ان بعض القوى السياسية تعمل كأحزاب حقيقية، في الوقت نفسه تعمل بعض الاحزاب كأحزاب اسمية. والفرق كبير بين الاثنين "استعنت في هذا التقسيم بالمؤلف الموسوم "الجبهة والحزب السياسي مبادئ عامة ومنطلقات أساسية"، للكاتب محمد منذر، استاذ الأحزاب والعلاقات الدولية وعلم السياسة في الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية". الأحزاب الاسمية؛ غير منظمة وتقيم علاقات مع قواعدها اثناء الانتخابات "أي موسمية" وعلاقتها بالقواعد تكاد تكون مقطوعة ما بين فترات الانتخابات. في حين تتميز الاحزاب الحقيقية بالاستمرارية والتكرار؛ عمل ندوات جماهيرية، وورش عمل حزبية تصب في التثقيف السياسي والقانوني للكادر والقواعد الجماهيرية للحزب، وتتناول ملفات ساخنة واساسية في المجتمع: مبدأ الشعب مصدر السلطات جميعا، وحكم الشعب نفسه بنفسه، البطالة، الإسكان، التعليم، الصحة وغيرها من ملفات ضاغطة وقضايا مستجدة. الأحزاب الاسمية لا يعنيها كثيرا التغلغل في النقابات والإعلام "والصحافة خصوصا" ومخاطبة الرأي العام، فهي أصلا لا تقيم وزنا للرأي العام... إذ هي مكتفية بما لديها من أعضاء! القوى السياسية "السنية" لحد الآن لم تستطع التوغل في العمل النقابي؛ ما عدا اتحاد الطلبة. وأعتقد أن أحد الاسباب الرئيسية لتقوقع التنظيمات السياسية وعدم تمددها عائد إلى انسداد دائرة التنظيمات والقرابية التي تتميز بها، وإنكفاؤهم وإكتفاؤهم بمن حضر! في حين ان التنظيمات الإسلامية في الدول العربية "إخوان مصر مثلا" على رغم الحصار السلطوي فإنهم منخرطون في مختلف صنوف العمل السياسي والاجتماعي، واستطاعوا الحصول على مقاعد مجزية في النقابات المهنية والعمالية. لقد نجح "الإخوان المسلمين" "مصر والأردن" في المنافسة والسيطرة على بعض النقابات المهنية والعمالية، واستطاعوا تحقيق بعض من برامجهم التي توافقت مع المطالب المهنية والعمالية سواء في تحسين ورفع الأجور وغيرها من مطالب عمالية ومهنية... والسؤال: هل يحفز ذلك إخوان البحرين على تحقيق بعض من المنجزات التي يحققها اخوتهم في مصر والأردن؟!
عطني إذنك...
يقال دائما ان "المنتمي أو المؤدلج" لا يرى الأشياء كما هي؛ بل كما يريدها هو كيف تكون، أي ليست كما هي قائمة في الواقع السياسي والاجتماعي، وهذه إشكالية لن تنتهي إلا بقبول الرأي الآخر والمناقشة العلمية المدعمة بالوثائق والأرقام... النقد في بلادنا لأوضاع التنظيمات السياسية مرآة عاكسة للواقع، وعلى المناصرين والمحازبين التحلي بسعة الصدر والترحيب بالنقد، الذي لا يهدف إلا المصلحة العامة للتنظيم والعمل السياسي العام في البلاد.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1167 - الثلثاء 15 نوفمبر 2005م الموافق 13 شوال 1426هـ