العدد 1167 - الثلثاء 15 نوفمبر 2005م الموافق 13 شوال 1426هـ

"بيتر دركر" يغادر قبيل "قمة المعلومات"

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

توفي الأب الروحي لعلم الإدارة الحديث في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وذلك قبيل أيام من انعقاد "القمة العالمية لمجتمع المعلومات" التي تبدأ أعمالها في تونس اليوم، وهي القمة التي تجمع قادة العالم بهدف "تسخير إمكانات الثورة الرقمية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لخدمة البشرية". العلاقة بين دركر "الذي ولد في 19 نوفمبر 1909 وتوفي عن عمر أكمل الخامسة والتسعين" و"مجتمع المعلومات" وثيقة جدا، لأنه أول مفكر تحدث عن انتقال العالم من المجتمع الصناعي - إذ تقود الآلة حركة الاقتصاد العالمي - إلى المجتمع المعرفي، أو بحسب تعبير قمة الأمم المتحدة "مجتمع المعلومات"، إذ تقود المعلومة "ومن يمتلك إمكانات إنتاج وتخزين وتطوير المعلومة" حركة الاقتصاد العالمي. دركر قال في كتابه الذي أصدره في العام 1969 بعنوان The Age of Discontinuity إن الاقتصاد الأميركي "الذي يقود الاقتصاد العالمي" تحول إلى "اقتصاد معرفي"، بمعنى أن المعرفة "وهي المعلومات التي تحمل هدفا ملموسا على واقع الأرض" أصبحت تقود العملية الاقتصادية بدلا من الآلة التي قادت الثورة الصناعية منذ منتصف القرن الثامن عشر. وقال معقبا في مقالات لاحقة ان "عمال المعرفة" هم الذين سيقودون الاقتصاد، بدلا من "عمال العضلات" الذين حركوا الآلات والمصانع. دركر دعا في كتاب أصدره العام 1973 إلى إحداث ثورة إدارية في الهيكليات التقليدية التي كانت تعامل الناس وكأنهم أدوات ملحقة بالآلات، فالناس الذين يمتلكون المهارات لا يمكن التعامل معهم من خلال "هيكلية عمودية صارمة" مثل التنظيم العسكري، وانه يجب الاعتماد على وسائل جديدة تعتمد على أساليب تتناسب مع التطور الإنساني - المعرفي. وفعلا حققت الإدارات الناجحة "على مستوى البلدان والشركات" إنجازات كبيرة من خلال تغيير أساليبها واعتماد مفاهيم أخرى مثل العمل كفريق واحد، والتناغم بين بيئة العمل والتطلعات الفردية والجماعية للمؤسسة والمجتمع الذي تعمل فيه. دركر عاد في العام 1992 ليذكر العالم بأنه دخل عصر "ما بعد الصناعة"، وان "مجتمع المعرفة" أصبح حقيقة واقعة، وان "الثورة المعلوماتية" التي بدأت تجتاح العالم ستغير المفاهيم في كل مجال من مجالات الحياة، وأن عصر "الدولة القومية" قد ولى إلى غير عودة بسبب "ثورة المعلومات الصامتة". وقال ان البلدان والشركات التي ستنجح في العصر الحالي هي تلك التي تتقدم في "إنتاجية المعرفة"، بمعنى القدرة على خلق المعرفة، اكتسابها، تخزينها، تطويرها، وتشغيلها على أرض الواقع. بالنسبة إلى الناس العاديين، فان انتاجية المعرفة تتطلب إمكان الوصول إلى أهم مصدر للمعلومات وهو الانترنت، وان يتم توصيل جميع المنازل بشبكة متطورة وسريعة بحيث تعتمد البنية التحتية لكل ما نقوم به في حياتنا اليومية على توافر المعلومات التي يحتاج إليها الناس في كل جوانب حياتهم. أما بالنسبة إلى الاقتصاديين، فانهم يسعون إلى إدخال عنصر جديد لعوامل الإنتاج التي تحدث عنها كارل ماركس في السابق: "الأرض"، "العامل" و"رأس المال". العنصر الجديد هو "المعرفة"، التي أصبحت أهم من الأرض وأهم من رأس المال، ولكن هذه المعرفة لا وجود لها من دون "العامل - الإنسان". غير أن العامل ليس كما كان سابقا، وانما هو "عامل المعرفة"، بحسب التعبير الذي ابتكره دركر في الستينات، وذلك قبل أن تلتفت الأمم المتحدة وتعقد قمما من أجلها في عصرنا الحالي. تنعقد القمة العالمية لمجتمع المعلومات اليوم في تونس، وربما أن بيتر دركر لن يكون على أجندة القمة، لكنه لم يكن محتاجا إلى ذلك عندما رحل من الدنيا الجمعة الماضية، فهو استوعب الموضوع قبل أن تستوعبه الأمم المتحدة بأكثر من ثلاثة عقود واستعد له واستفاد منه، وطرح أفكاره لتستفيد منها كل الإنسانية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1167 - الثلثاء 15 نوفمبر 2005م الموافق 13 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً