يتعين أن أبدأ هذا المقال باعتذار صغير إلى مشرف هذه الصفحة الأخ والزميل سيدقاسم حسين. فأنا الوحيد من بين الكتاب المنتظمين من يسبب له الصداع. "ولد فاضل... ما في الا انت المشاكس، متى إن شاء الله تبعثون المقال؟". هذه كلمات أبوهاشم عندما أتأخر في ارسال المقال وهو عتاب ينتهي بالضحك وتبادل النكات. لكن أن ينتظر السيد وتنتظر الصفحة مقالي فهذا أمر يستحق اعتذارا علنيا. أنا مدلل في هذه الصحيفة وهذا أمر يحملني مسئولية كبرى، فلا شيء أغلى من المحبة، لكن المحبة هنا وصلت الى حد الدلال فتوجب علي الاعتذار. أترك هذا الآن لأرى أن الدلال مفقود في عالم السياسة، أقله بين المعارضة والحكومة. هنا لغة أخرى وعالم آخر على رغم اللفتات التي تطل علينا من حين إلى آخر. واذ يبدو الأمر طبيعيا في هذا الميدان، فلا شيء يمنعنا أن نحلم بشيء من المحبة بين الطرفين، لا أقصد الغزل فالغزل خطير في عالم السياسة... أقصد تخفيف جرعات التوتر بالحكمة وبعد النظر. لكن بين الحكومة والمعارضة اتفاق من نوع نادر تحقق الأسبوع الماضي ربما لم يشعروا به. ففي الوقت الذي كان فيه مئات النشطاء والرسميون يتبادلون الأفكار والرؤى والحجاج أيضا عن الدمقرطة والانفتاح وتحسين أوضاع النساء والمشاركة السياسية في "منتدى المستقبل"، كانت أصوات المحتجين تعلو في الشارع عن قانون أحكام الأسرة. نقطة الإجماع لا تخطر على البال. فأحد الشروط التي وضعها المجلس الإسلامي العلمائي هو استبعاد البرلمان بغرفتيه من أي تداول أو رأي فيما يتعلق بهذا القانون. لا إصدارا، ولا رأيا ولا تعديلا في المستقبل. انه استبعاد وصل الى حد الازدراء بالمؤسسة التشريعية يجعلنا نتساءل عن نوع الديمقراطية التي نريد والبحث من جديد عن تعريف للمشاركة الشعبية في صنع القرار والبرلمان كامل الصلاحيات التشريعية والرقابية. في أعماق أنفسنا، نشعر أن إشكالا كهذا يمكن حله عندما لا نضع مواقف نهائية. لست أدعو الى مساومات أو البحث عن تسويات، إنني أتحدث عن فضائل الحوار الهادئ. ان أكثرنا حماسا لقانون الأسرة، لن يتصور أكثر من أن المسودة التي يصيغها رجال الدين هي التي ستعرض على البرلمان. ولن نتخيل أكثر ان احدا من أعضاء البرلمان يمكن ان ينتهك الشريعة بتعديل أو شطط. وطالما ان غاية المتجادلين هي حماية النساء والأسرة عموما فليس أفضل من الحوار. ربما انه خلل في طريقة التواصل. أما منظمو "منتدى المستقبل"، فقد استبعدوا لسبب غير مفهوم دعوة أي عضو من البرلمان بغرفتيه الى المنتدى أو حتى أي من لجانه الفرعية أو مناقشاته. واذا ما استدعى المرء كل ذلك النقد المرير واللاذع للبرلمان من قبل المعارضة ودفاع الحكومة المستميت أيضا عن البرلمان وأدائه، سنصاب بالحيرة حتما. ثلاث سنوات وأكثر عاشها البلد في ظل جدل مقاطعة ومشاركة ونقد لاذع للبرلمان واتهامات للحكومة بتحجيم البرلمان وتقليص صلاحياته لنأتي في النهاية ونجد الأمر نفسه من قبل المعارضة. قد لا تكون مفردة المعارضة دقيقة في الوصف، لكن المفارقة تأتي من شخصيات جليلة وذات وزن كبير وتحظى بالاحترام الواسع والعميق بين الناس. أما الحكومة، فلا ندري ما اذا كان استبعاد ممثلي الشعب المنتخبين وزملائهم المعينين خطأ بروتوكوليا أو سهوا بشريا. لكن ما نعرفه جيدا انها ليست المرة الاولى التي تعبر فيها الحكومة عن موقفها من البرلمان. انه أمر لا تسعفه كل التصريحات والمواقف المعلنة عن دعم البرلمان والثناء على أدائه في مقابل هجاء المعارضة. فان تحتضن بلادنا منتدى عالميا بمثل هذا المستوى ويبحث في الدمقرطة والمشاركة الشعبية وتعزيز المجتمع المدني وتحسين أوضاع النساء وحقوق الانسان ويغيب عنه أولئك الذين يقدمون المعنى الوحيد للديمقراطية فهذا أمر غير مفهوم. ربما ان نقطة الاتفاق هذه بين المعارضة والحكومة قد تقودهما الى التفكير ثانية أو استكشاف فرص الحلول الوسط. انني لا أمزح فما ينقصنا هو ذلك النوع من التفكير الذي يجمع المعارضة والحكومة على حد أدنى من الثوابت التي لا يمكن الاختلاف عليها، احترام المؤسسة التشريعية "أشدد على المؤسسة لا الأفراد" على رأس هذه الثوابت. واذا كان هناك ثمة أمل، فهو ان نبدأ من هنا وبقية الثوابت تباعا. على سبيل المثال لا الحصر: المصلحة الوطنية العليا، الحريات، الاقتصاد يسبق السياسة.
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 1166 - الإثنين 14 نوفمبر 2005م الموافق 12 شوال 1426هـ