العدد 1166 - الإثنين 14 نوفمبر 2005م الموافق 12 شوال 1426هـ

تفجيرات عمان... هل تكون الدرس الأخير؟

أمة لا توقظها غير المجازر!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لأول مرة ينتبه العرب الأقحاح إلى أن الارهاب عمل مناف للإسلام وروحه السمحة! ولأول مرة في حياتهم يكتشف العروبيون ان الإسلام جاء برسالة المحبة والتسامح ولم يأت بسفك الدماء! ففي مساء الأربعاء الماضي، كان العالم العربي على موعد ليستيقظ على صوت تفجيرات الفنادق في العاصمة الأردنية عمان، ليكتشف حينها النظرية التي غابت عن ناظريه، فيقول: "تفجيرات الأردن كشفت الوجه الحقيقي للإرهاب"! كأن كل هذا الدم العربي الذي يسفك يوميا في العراق طوال ثلاثة أعوام لم يكن كافيا لكشف "الوجه الحقيقي" للإرهاب! ربما كنا نحن العرب المخدرين، بحاجة إلى ضربة أخرى موجعة من نوع اغتيال المخرج العالمي الكبير مصطفى العقاد، حتى ننتبه من غيبوبتنا، على وقع خسارتنا لهذا المخرج العظيم. لم تكن ضربات الدار البيضاء والرياض وشرم الشيخ كافية لإقناع الكتاب والكاتبات الماجدات لمعرفة فظاعة القتل، وحرمة أرواح البشر، فضلا عن شلالات الدماء الجارية في العراق. كان لابد لهذا العقل المخدر الذي أدمن الخرافة والسبات، وعاش يقتات على فتاوى أنصاف المتثقفين، وأرباع المتفيقهين، أن يستيقظ على منظر الأشلاء في قاعة عرس، أزهق فيها الإرهاب الأعمى أرواح ستين رجلا وامرأة وطفلا، في طرفة عين كأنهم أرخص من أسراب من الذباب والحشرات. كان لابد لهذه الأمة المخدرة، من سفك كل هذا الدم الغزير، وإزهاق أرواح هذا العدد الكبير من الأبرياء، وما وراءهم من أسر وأهل وأحباب مفجوعين، فربما تشعر بحرارة الدم المسفوك مجانا في طرقات العراق، وسط صمت مريب، أو تصفيق حاد ترقص على أنغامه النخبة العربية المثقفة، تتويجا للجهاد الفذ و"المقاومة الشريفة" ضد الغزاة والمحتلين. كان لابد من هذه المجزرة، لتصحو هذه الأمة المخدرة التي "يقودها" الفكر الأحادي المتطرف في مطلع القرن الحادي والعشرين، ويسوقها سوقا عنيفا نحو الأنفاق والجحور وما قبل الحضارة... كل ذلك باسم الله والدين والجهاد. كان لابد من هذه المذبحة الفاجعة لكي نستيقظ، فالمذابح والفواجع اليومية في مدن البصرة والحلة وبغداد وبعقوبة والكاظمية والهويدر والأنبار وكركوك... كلها لم تكن تكفي لإيقاظ مثقفينا من بياتهم الفكري الطويل.

هل هو الدرس الأخير؟

أشك في ذلك، فنحن قوم لا توقظنا حتى أصوات البوارج والطائرات، ففي مقابلة أجراها الزميل حسين خلف قبل عام تقريبا، حذر عبدالعزيز الحكيم دول المنطقة من امتداد يد الإرهاب إليها، فهل بلغ التحذير اسماعنا؟ أم استمرت فضائياتنا الباسلة وصحفنا الفاضلة في الدفاع عن مسلسل الارهاب هناك، واستمر "أشباه المثقفين والمثقفات" ينشرون شطحاتهم "الصوفية" ونظرياتهم "الصفوية"، في تواطؤ واستغباء مشين، مبررين عمليات القتل العبثي من أجل القتل، ما يكشف خواء الاطروحات المتخبطة في مواجهة الاحتلال في هذا الواقع المرير، حيث لا تكفي الكلمات الرنانة لإخراج المحتل، ولا تكفي "العنتريات التي ما قتلت ذبابة"، كما يقول نزار قباني. "عناترنا" ما فتئوا يزينون عمليات القتل المجاني العابث في العراق، وهم بالمناسبة شركاء في كل قطرة دم عراقية تسفك ظلما في أرض الرافدين. وما أقسى أن يخير شعب بين سيف المحتل وأسياف الأطراف المشبوهة التي تتحرك في الظلام، وهو ما يرسم حدود المأزق العراقي اليوم. هذه الأطراف التي لا تملك برنامجا سياسيا يمكن أن يطمئن له العراقيون، غير الضربات الدموية الطائشة، التي تستهدف المدنيين في أسواقهم ومساجدهم ودور عبادتهم ومستشفياتهم ومطاعمهم، لتوقع أكبر نسبة من الضحايا، كل ذلك باسم المقاومة "الشريفة" ضد الاحتلال! أصارحكم... كم كنت حزينا ومشمئزا إلى درجة الغثيان، وأنا أشاهد تلك المرأة العراقية على الشاشة مساء الأحد الماضي، وهي تتكلم عن فشلها في تفجير الحزام الناسف دون أن يرف لها جفن. هذه المرأة الشقية البائسة رأيت فيها صورة مصغرة لهذه الأمة البائسة الشقية المخدرة. نظرات حائرة، وكلمات متخثرة تذكر العراقيين حتما بتاريخ ابن ملجم الذي يعرفون، تتكلم وكأن قتل الأطفال والنساء في حفل عرس من أعظم الأعمال مثوبة عند الله! وكنت أفكر: هل كانت تحمد الله في سرها على النجاة قبل أن تتقطع إلى أشلاء، أم انها كانت تتمنى لو لحقت بزوجها المجاهد، لتتلقاهم الحور العين على أبواب الجنان، ليتناولوا العشاء الأخير على ضفاف الكوثر؟ أي شقاء! أي ضياع! أمم الأرض يقودها مفكروها على طريق الحياة والتقدم والوعي، ونحن يقودنا أشباه مثقفينا، وأنصاف صحافيينا، نحو الانتحار والدمار... فويل لأمة لا توقظها غير السياط...!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1166 - الإثنين 14 نوفمبر 2005م الموافق 12 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً