العدد 1166 - الإثنين 14 نوفمبر 2005م الموافق 12 شوال 1426هـ

العراق أولا... أم أخيرا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في سياق الرد على سؤال "ماذا تريد الولايات المتحدة من المنطقة العربية/ الإسلامية" يمكن استخلاص الأجوبة من تلك السياسة العملية "الميدانية" التي ارتكبتها واشنطن خلال السنوات الأربع الماضية. فمنذ العام 2001 أعلنت إدارة "البيت الأبيض" ما تسميه الحرب على "الإرهاب الدولي". وحددت جغرافية "الإرهاب" في دائرة تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا. واعتبرت أن تلك المنطقة تهدد الاستقرار العالمي وتزعزع التوازنات الدولية. وأشارت وزارة الدفاع "البنتاغون" في تصريحات متكررة إلى وجود شبكة تابعة لتنظيم "القاعدة" في أكثر من 40 دولة. وأحيانا كان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يحدد بعض أسماء تلك الدول المطلوب رأسها بذريعة أنها تشجع أو تمول أو تسهل مرور خلايا الإرهاب من دولة إلى أخرى. الكلام الأميركي عن ملاحقة شبكات الإرهاب والخلايا النائمة أو المتنقلة مجرد إشارات تكشف عن استراتيجية كبيرة تريد محاصرة دول المنطقة أو معاقبتها أو تحطيمها بذريعة استكمال خطط الحرب على المجموعات التابعة لتنظيم "القاعدة". وهذا الكلام كان يتضخم أحيانا وفي أحيان كان منسوب التصريحات يتراجع بهذا الخصوص بسبب الضغوط الدولية وخوفا من انقلاب الرأي العام على مثل هذه الاستراتيجية المجنونة. تضخم الكلام وتراجعه يشبه مشهد البورصة حين ترتفع أسعار الأسهم في يوم وتهبط في يوم آخر. السياسة الأميركية في السنوات الأخيرة تحولت في ملاحظاتها وتصريحاتها اليومية إلى مشهد متقلب ليس بعيدا عن لوحة الأسعار في بورصة نيويورك. هذا المشهد البانورامي في السياسة الأميركية طرح بقوة بعد إسقاط حكومة "طالبان" في أفغانستان. وجدد طرحه بعد إسقاط نظام صدام في العراق. وفي المشهدين أعيد طرح السؤال: ماذا بعد؟ ماذا بعد أفغانستان والعراق هو السؤال الدائم منذ العام 2003؟ هل العراق هو الأخير في سلسلة الحروب أم الحلقة الثانية في استراتيجية ممتدة على جغرافية العالم الإسلامي من إسبانيا إلى إندونيسيا. العراق ثانيا أو أولا أو أخيرا كان عنوان المرحلة التي تلت اجتياح بغداد. وفي سياق الإجابة عن تلك التساؤلات صدرت من واشنطن تصريحات متناقضة كشفت عن وجود تعارضات في توجهات الإدارة. ما يسمى بتيار "الصقور" أخذ يضغط باتجاه استكمال حلقات الحرب والذهاب بعيدا في استثمار تداعياتها السياسية والعسكرية. وما يسمى بتيار "الحمائم" كان يرى في احتلال العراق خطوة كافية يجب استغلالها باتجاه تأسيس دولة نموذجية في منطقة "الشرق الأوسط". وبين "الصقور" و"الحمائم" مالت الإدارة إلى التهدئة المؤقتة من دون أن تتخلى نهائيا عن الخيارين. فالرئيس جورج بوش ترك كل الخيارات مفتوحة حتى تنجلي صورة المعركة الرئاسية. فالانتخابات الرئاسية شكلت للحزب الجمهوري عائقا داخليا. ولذلك رجحت إدارة بوش نهج التهدئة لا التسوية حتى تختبر مدى شعبيتها وقدرة الناخب الأميركي على الاستجابة لمشروع التقويض الطويل المدى. فوز بوش بولاية ثانية شجع تيار "الصقور" على تجديد روح استراتيجية الهجوم. إلا أن ظهور الممانعة في المنطقة العربية/ الإسلامية ونمو العراقيل الميدانية التي واجهت قوات الاحتلال اربك ذاك التيار وطرح مجموعة ضرورات أهمها تذليل العقبات الدولية وخصوصا تلك الاعتراضات الفرنسية/ الألمانية. الآن تبدو الأمور أكثر وضوحا بعد تراجع تلك التحديات. فالخريطة الدولية تغيرت وباتت واشنطن في موقع يسمح لها بالاستفادة من تلك التبدلات لمصلحة إخراج استراتيجية التقويض من "غرفة الانعاش". هذا التحول أثار مجددا سؤال "ماذا تريد الولايات المتحدة بعد العراق". فهل بلاد الرافدين الأخيرة أم ان واشنطن تستعد لاستكمال ما بدأت به لتحقيق "الانتصار الكامل" أم انها في حال يرثى لها ولا تريد من المنطقة سوى تأمين "الانسحاب الشامل"؟ التصريحات والسياسات الميدانية ترجح الاحتمال الأول.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1166 - الإثنين 14 نوفمبر 2005م الموافق 12 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً