لم يكن من السهل ان تتحرر المرأة في الغرب من قيود مجتمعاتها إلا عندما أصبحت تنخرط بصورة واسعة داخل الحياة العملية الذي شمله تحررا اقتصاديا قبل ان يكون "جندريا" مع الرجل وأوصل فيما بعد صوت مطالبها إلى الساحة وفي العلن بأعلى صوتها في مظاهرات منظمة عبرت فيها عما تريد حتى أصبح واقعا ملموسا لا يمكن تجاهله. فوزعت منشوراتها وصحفها ومجلاتها المطالبة بسن حقوق تنصفها وتعدل من أوضاعها المتردية حقوقا لا تجعلها أداة تبعية للرجل لا لفكره ولا لصوته فصاغت كلماتها ومطالبها بلغة تواكب الوقت الذي تعيشه ويصون إنسانيتها، وذلك عبر قوانين لا تتحدى مشاعرها ولا تقمع دورها أو صوتها داخل مجتمعاتها. منشورات المرحلة التي شهدتها الحركات النسائية في فترتي الخمسينات والستينات في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية كانت حقبة عززتها الظروف التي مرت بها المرأة في تلك الدول إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين دفعتا بالمرأة للانخراط في سوق العمل من أجل توفير وتأمين لقمة العيش لها ولأبنائها بعد أصبح غالبية الرجال في دوائر ومعسكرات الحرب المتناثرة في أوروبا. فرياح التغيير النسوية كانت في تنام وبشيء من الواقعية التي فرضت على الرجل أصبحت حقيقة بعد ان أثبتت المرأة جدارتها في مختلف الأعمال والمجالات وهي النقلة التي ألقت حتى بثورة في عشرينات القرن الماضي على مظهر وشكل ازيائها فبدلا من الفساتين الكبيرة والطويلة أصبحت اطقم البدلات المعروفة بـ "التايير" ذي القصات المتوسطة التي أصبحت مع الوقت قصيرة الأشكال والأحجام للجاكيت والتنورة إلى ارتداء زي البنطلون التي جميعها جاءت على هيئة مبتكرات اطلقت في تصاميم متمردة أحدثتها آنذاك الخياطة الشابة "كوكو شانيل" التي تحول اسمها اليوم إلى أكبر مصممة وأشهر دار عالمية للأزياء يعرفها الصغير قبل الكبير. ان التحدي الذي صاحب المرأة الغربية لم يكن إلا نتيجة تراكمات وتطورات حدثت داخل المجتمعات منذ مطلع القرن الماضي دفعت إلى التغيير الاجتماعي وإلى اطلاق العنان للمرأة ولفكرها فبعد ان كانت حقوقها المدنية والاجتماعية وحتى الإنسانية بوصفها "شيطان المجتمع" معطلة لقرون أصبحت اليوم سباقة في عمل تنجزه بل وقد تحصد أجرا أعلى عن اخيها الرجل. فإن كانت تنعت المرأة الأوروبية تحديدا في حقبة القرون الوسطى بمصدر للشر وللأرواح الشيطانية التي قد تخدع الرجال وتلقي بالمآثم داخل مجتمعاتها حتى يكون مصيرها الجلد ثم القتل للتخلص من روح المرأة الشيطانة فإنها اليوم أصبحت العنصر المهيمن في غالبية مواقع صنع القرار في دولها وحتى على مستوى القرار الدولي بسبب ما سعت إليه سنوات طويلة فتساوت حقوقها الإنسانية قبل المدنية وأصبح الصوت صوتها لا صوت تبعية تلغي عقلها وتحركها حسبما تشاء بحسب المزاج... وهذا قد يكون نموذجا لنضال مازلنا نفتقده داخل مجتمعنا البحريني الذي أصبح يجزئ حقوق الإنسان على رغم انها حقوق واحدة لا فرق بين امرأة ورجل، بل اخوة في الإنسانية، هذا ان كنا حقا نعتز بذلك.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1166 - الإثنين 14 نوفمبر 2005م الموافق 12 شوال 1426هـ