نصت المادة الثانية من الدستور على أن "دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية". وذكرت المذكرة التفسيرية للدستور بأنه في اطار ما اتجهت إليه الإرادة الشعبية من مبادئ ضمنتها الميثاق جاءت التعديلات الدستورية وكان رائدها في ذلك اعطاء الشريعة الاسلامية الغراء نصيبا من التطبيق أكبر مما كانت عليه في الدستور قبل تعديله وأكدت بذلك أن الشريعة الإسلامية باقية في ضمير الشعب وأنها تحتل مكانها اللائق بها. فقد نص الدستور قبل تعديله في المادة "2" على أن دين الدولة الإسلام وان الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع وفي المادة "6" "تصون الدولة التراث الإسلامي" وفي البند "ب" من المادة السابعة على رعاية التربية الدينية في مختلف مراحل التعليم وأنواعه. وجاءت التعديلات الدستورية لتوسع من هذا الاتجاه فلم تقف عند هذه النصوص وحدها، بل امتدت إلى إظهار انعكاسات وأثار الشريعة الاسلامية على نصوص أخرى من نصوص الدستور، ومن ذلك ما نصت عليه المادة "33" من أن الملك الحامي الأمين للدين، حتى تكون مسئولية حماية هذا الدين موكولة إلى رأس الدولة وأعلى سلطة فيها، ما يحقق حماية أكبر له، ونصت المادة "5" على ضرورة كفالة الدولة للمساواة بين الرجل والمرأة من دون الاخلال بالشريعة الاسلامية، وما نصت عليه المواد ،23 ،24 ،27 من أن حرية الرأي والبحث العلمي والصحافة والطباعة والنشر وتكوين الجمعيات والنقابات لا يجوز أن تتضمن مساسا بأسس العقيدة الإسلامية. واستطردت المذكرة التفسيرية إلى أن كل هذه النصوص قد جاءت لتؤكد ضرورة أن تكون الشريعة الاسلامية "بمعنى الفقه الإسلامي" مصدرا رئيسيا للتشريع، وهي التي توجه المشرع وجهة اسلامية اساسية من دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الاسلامي حكما لها أو يكون من المستحسن تطوير الاحكام في شأنها بما لا يخالفها ومسايرة لضرورات التطور الطبيعي على مر الزمن. وبما أن الدستور نص في مقدمته على أن ما ورد في المذكرة يعتبر مرجعا لتفسير أحكامه، كما نص في ختام المذكرة على أن "الايضاحات التي تضمنتها هذه المذكرة هي المرجع في تفسير نصوص هذا الدستور، وهو ما جاء بقضاء المحكمة الدستورية في القضية رقم د/2 لسنة 2003 القضائية الأولى من أن المذكرة التفسيرية هي المرجع في تفسير أحكام الدستور فيما ورد بها من ايضاحات فلا محل لمناقشة أي تفسير مخالف. ومفاد ما تقدم أن المادة الثانية من الدستور المعدل مفسرة بما جاء بالمذكرة التفسيرية قد قطعت من ان الشريعة الاسلامية مصدرا رئيسيا أول للتشريع وهي التي توجه المشرع وجهة اسلامية أساسية للتشريع من دون منعه من استحداث احكام من مصادر أخرى، أو يكون من المستحسن تطوير الاحكام في شأنها بما لا يخالفها، مسايرة لضرورات التطور الطبيعي على مر الزمن". إن ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور والمذكرة التفسيرية يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية - أيا كان نوعها - أن تتحراه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل. فلا يجوز لنص تشريعي بصريح نص المذكرة التفسيرية أن يناقض القواعد الشرعية الاسلامية "الفقه الاسلامي". وبمعنى أخر أنه يجب عند سن التشريع الاعتماد أولا على الشريعة الإسلامية فإذا لم يضع الفقه الاسلامي وعلى ما أوردته المذكرة التفسيرية - حكما له - فليس هناك ما يمنع استحداث احكام من مصادر أخرى، وكما ذكرت المذكرة التفسيرية - ألا تخالف الشريعة الاسلامية وقد وضعت المادة 120/ج من الدستور قيدا بعدم جواز اقتراح تعديلها. وبخصوص سن تقنين الأحكام الأسرية وطبقا لنص المادة الثانية من الدستور والمذكرة الايضاحية فإنه يجب الرجوع أولا إلى الشريعة الاسلامية فيما وضعته من أحكام فإن خلت لجأ إلى مصادر أخرى بشرط ألا تخالف الشريعة الاسلامية، وبديهي أن قواعد الشريعة الاسلامية قد وعت وسعت كل الأحكام الأسرية ومن ثم لن يصار إلى مصادر أخرى حتى ولو كانت مشروطة بعدم مخالفة الشريعة الاسلامية. طبقا لما تقدم تكون الضمانة التي ينادي بها بعض رجال الدين من المذهب الجعفري - بأن تكون الشريعة الاسلامية مصدر تقنين الاحكام الأسرية وعدم جواز اقتراح تعديل هذه المادة هي ذاتها ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور وأوضحته المذكرة التفسيرية - وإذ تشابه النصان تنزه المشرع عن التكرار. فإذا صدر تشريع ولو كان تشريعا مدنيا أو تجاريا أو بحريا وخالف الشريعة الاسلامية فإنه يكون تشريعا غير دستوري يخضع لرقابة المحكمة الدستورية التي أولاها الدستور سلطة مراقبة دستورية القوانين. وتنصب ولاية المحكمة الدستورية في شأن القواعد الشرعية على مراقبة التقيد بها والنزول عليها وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها - تقديرا لمبادئها الأصلية - وبما يحول دون اقرار قاعدة قانونية على خلافها وإلا كان ذلك انكارا لما علم من الدين بالضرورة. وما تجدر ملاحظته أن هناك نوعا آخر من الرقابة الدستورية هي الرقابة السابقة على اصدار القوانين - التي نصت عليها المادة "17" من قانون المحكمة الدستورية بأن "للملك أن يحيل إلى المحكمة ما يراه من مشروعات القوانين قبل اصدارها، لتقرير مدى مطابقتها للدستور". ولا شك أن مشروعات تقنينات الأحوال الشخصية هي أولى من غيرها من التشريعات بالرقابة السابقة على اصدارها نزولا تحت حكم المادة "33" من الدستور من أن الملك هو الحامي الأمين للدين، حتى تكون مسئولية حماية هذا الدين - وكما اوردت المذكرة التفسيرية - موكولة إلى رأس الدولة وأعلى سلطة فيها ما يحقق حماية أكبر له. خلاصة القول إن الضمانة الدستورية الأبدية التي يطالب بها بعض رجال الدين نصت عليها المذكرة التفسيرية بحذافيرها وهي المرجع في تفسير أحكام الدستور وهي المذكرة التي لم يطالعها أحد في هذا الشأن.
إقرأ أيضا لـ "لولوة صالح العوضي"العدد 1166 - الإثنين 14 نوفمبر 2005م الموافق 12 شوال 1426هـ